Sidaas Ayaa La Abuuray: Sheeko Dheer
هكذا خلقت: قصة طويلة
Noocyada
انتهز فرصة خرج فيها زوجي وقال: «ما أجمل المرض في هذا السرير!»
واستوحشت حتى من نفسي فكنت إذا أقبل الصبح وخرج زوجي إلى عمله، خرجت أضرب في الأرض على غير هدى مخافة أن يسأل عني أحد معارفي بالتليفون، أو يسألني من لا أعرف عما اجترحت ويؤنبني عليه، فإذا كنت في الطريق ورأيت الناس وتعرضت لضجة الحياة، عدت إلى نفسي بعض الشيء إبقاء على نفسي أن تدهمني سيارة، أو يرتطم بي إنسان مشتت الذهن لأنه لا يجد قوت عياله، أو آخر نزلت به كارثة اضطرب أمامها ولا يدري كيف يتخلص منها، فإذا كان موعد الطعام رجعت إلى الدار ألقى زوجي وأطفالي، وأنا مضطربة الذهب خائرة القوى.
ودخل علي زوجي بعد أيام والتأثر باد عليه، وقال: «مسكين صديقنا، لقد انتكس ولزم من جديد فراشه يعاني من الحمى أهوالا، وقد دعاني صبح اليوم لعيادته، فلما ذهبت إليه وفحصته تولاني القلق عليه، وسأعوده كل يوم مرتين لأرى أثر الدواء فيه، والله يساعدني.»
نزلت علي هذه الكلمات نزول الصاعقة، ألا لئن أصاب صديقنا مكروه لأكونن الآثمة الجانية، وأردت أن أسأل زوجي عما إذا كانت حياته في خطر، فتلجلج لساني في فمي، وعز علي أن يدور هذا الخاطر الأسود بخيالي، فلما أمسيت تولاني أرق اضطربت في أثنائه بين اليقظة والإغفاء، فإذا أغفيت رأيت صديقنا ترعده الحمى وسمعته يناديني، وحين بدت تباشير النهار هببت من مرقدي كالمجنونة طائشة الصواب، وحاولت جهدي ضبط أعصابي فإذا بي أرتعد، وكأن بي من الحمى ما بهذا الرجل الذي جنيت عليه، واستيقظ زوجي وتناول فطوره وذهب إلى عمله وتركني مستلقية في غرفة أخرى، وقد خيل إليه حين دخل ورآني بهذه الصورة أني أرقت ليلي ثم نمت وجه الصبح، وأن من الخير لذلك أن يدعني أستعيد بالنوم راحتي.
فلما استطعت أن أجمع قواي خرجت إلى الطريق هائمة على وجهي، وجعلت أسير ثم أسير، وأتلفت بين الحين والحين مخافة أن يراني أحد معارفنا، وكأني سجين هارب من سجنه. وطال بي السير وأنا لا أعرف لنفسي غاية أقصد إليها، ورأيت نفسي بعد حين على مقربة من «كوبري» عباس، فملت إليه وسرت فوقه حتى توسطته، هنالك وقفت وأخذت أنظر إلى صفحة الماء في النيل، أولو ألقيت بنفسي في النهر فابتلعتني لجته، ألا تكون هذه الخاتمة خير جزاء لي؟ مر هذا الخاطر بذهني كلمح البصر، ثم استقر في رأسي لا يبرحها، ولم أذكر لأول وهلة فجيعة أطفالي بموتي، بل اعتبرته الوسيلة الوحيدة لنجاتي من الهم المقيم الذي جثم على صدري منذ انقلب علي انتصاري، وثبت نظري على صفحة الماء، فسحرت بها، ولم أجد عن إدامة النظر إليها منصرفا، وإنني لكذلك تزداد فكرة الانتحار تشبثا بنفسي إذا برق طيف الطفلين في خيالي، وكأنما يناديني: «رحماك يا أماه!» هنالك انهملت العبرات من مآقي، وغامت الدنيا في عيني، واستندت بيدي إلى حاجز «الكوبري» ولم أعد أرى شيئا.
كم بقيت على هذه الحال؟ ساعة أو أكثر أو أقل، لا أدري! وكل الذي شعرت به أن المارة كانوا ينظرون إلي ثم يتخطونني لشأنهم، ولا يعنيهم أمري. وإنني لكذلك إذ وقفت إلى جانبي سيدة ربتت بيدها على كتفي، فتنبهت فزعة فنظرت إليها فإذا هي زميلة قديمة من زميلات المدرسة، فلما استيقنتها واستيقنتني قالت: «ما لك يا حبيبتي، وماذا يبكيك؟ إنني لم أرك منذ سنوات، ولكني سرعان ما عرفتك، إنك لم تتغيري عما كنت عليه أيام المدرسة، لماذا تبكين؟ هوني عليك، فالحياة أهون من أن تذرفي عليها دمعة واحدة، انظري إلى هؤلاء الذين يمرون الآن بنا، أتحسبينهم أسعد منك حالا؟ بل أتحسبينهم أقل مني ومنك هما وألما؟ إن منهم من لا يجد قوت يومه إلا بشق النفس، ومنهم العاجز والمريض، ومن أثقلته الأحزان والهموم، نعم يا حبيبتي، ومن نظر إلى بلوى الناس هانت عليه بلواه، فهوني عليك وكفكفي عبراتك وتعالي معي.»
قالت هذا الكلام، ولم تنتظر مني جوابا، بل جذبتني من يدي وسارت، وسرت أتبعها كأني طفلة، ولا تكاد قدماي تحملاني، فلما جاوزنا الجسر إلى الطريق، قالت: «أراك متعبة، فخير أن نركب عربة أوصلك بها إلى بيتك تستريحين فيه»، ونادت سيارة وطلبت إلي أن ألقي إلى سائقها بعنوان منزلي، وألقيت نفسي منقادة لأوامرها كأنني تلميذة من تلميذاتها، فقد عرفت من حديثها أنها مدرسة، وأنها مضطرة الساعة للذهاب إلى مدرستها، ولولا ذلك لبقيت معي حتى أسترد سكينتي، وألقيت إلى السائق بعنوان المنزل، فلما كنا عند بابه نظرت زميلتي إليه، ثم قالت: «أتسكنين هذا القصر ثم تبكين؟!»
وشكرتها من أعماق قلبي، لا لأنها أنقذت حياتي، بل لأنها ردتني إلى الطفلين العزيزين، قالت: «أسعدك الله بهما وأسعدهما بك »، وألقت إلى السائق بعنوان مدرستها بعد أن اطمأنت إلى أنني دخلت المنزل، وعبثا حاولت من بعد أن أرى هذا الملاك الرحيم.
دخلت المنزل منهوكة القوى محطمة الأعصاب لا أكاد أقوى على نزع ملابسي، فلما استطعت نزعها وألقيت بنفسي في سريري إذا البكاء يغلبني من جديد، وإذا عيناي تجودان بدمع هتون، وبعد برهة إذا جسمي كله ترعده الحمى، وإذا بي أضطرب في فراشي اضطرابا جعلني أصيح منادية مربية أطفالي، فلما دخلت علي ورأتني ممتقعة اللون أسرعت إلى «الترمومتر»، ثم سارعت بعد أن نظرت إليه إلى إسعافي.
وبعد سويعة أقبل زوجي لموعد طعامه، فلما عرف ما بي أسرع يفحصني، ثم أمر بإقفال نوافذ الغرفة، وبتركي في راحة تامة، وجاء الطفلان بعد ذلك من المدرسة، فاستقبلتهما مربيتهما، وأخبرتهما أنني مريضة، ولذلك يجب عليهما ألا يحدثا أية ضجة أو جلبة تزعجني، وأمسكت الطفلين ودخلت بهما علي، فإذا هما ساهمان وكأنهما حدثتهما نفساهما البريئتان بأن أمرا حدث، فلما وقفا إلى جانب سريري اغرورقت عيناي بالدمع، ونظرت إليهما كأنما أستغفرهما أن كدت أجني عليهما فأيتمهما، وانصرف الطفلان كسيري الطرف، ثم غلبتهما الطفولة فسمعتهما يضحكان، عند ذلك شعرت بأني كنت مقدمة على عمل جنوني أنجاني القدر منه بأن بعث إلي ذلك الملاك الرحيم.
Bog aan la aqoon