قال: «لم أعثر عليه في المكان الذي كنت أظنه فيه، والظاهر أنه قصد ماء آخر وقد كنت ذاهبا للبحث عنه في العقيق بجوار المدينة.»
فاستعاذ حسن بالله وقال: «يا لله! ما هذه المصيبة؟»
فابتدره الراعي قائلا: «لا تخف يا سيدي فلن يضيع الجمل ولو غاب عنك طويلا فإن أهل البادية يرسلون إبلهم للمرعى وقد لا يرونها أياما ثم تعود بنفسها أو يعود بها غلام أو فتاة. وقد كان ذلك شأننا في زمن الجاهلية، فكيف ونحن الآن في ظل الإسلام، وأما أنتم معشر أهل المدن فإذا غفل الرجل منكم عن عمامته خاف اختطافها!»
فمل حسن من جدال الراعي فقال له: «ما لنا ولهذا الجدال؟ أين الجمل وكيف السبيل إليه؟»
فقال: «يغلب على ظني أنه سار إلى العقيق، وهو ماء يخرج أهل المدينة إليه فيقيمون عنده ساعات أو أياما في خيام يحملونها معهم، وربما ذبحوا الذبائح وأولموا الولائم.»
فقطع حسن كلامه قائلا: «ثم ماذا؟»
قال: «فالعقيق مجتمع أهل الرخاء من اليثربيين وهو يذكرني أيام الشباب، فقد كان العقيق موعدنا لنلقى نساء المدينة. لا تغضب يا سيدي إننا سائرون الآن جنوبا نحو المدينة والعقيق في طريقنا إليها.» •••
استغرب حسن بعده عن المدينة شمال المكان الذي ترك فيه سليمان وأباه فيه، فقال للشيخ: «هلم بنا.» فمشيا والراعي على شيخوخته أسرع عدوا منه؛ لأنه تعود المشي في الوعر. أما حسن فلما صعد من الوادي والتفت إلى السماء وتبين الكواكب فعلم أنه في أواخر الليل بغت لضياع الوقت وهو لم يأت عملا بعد، وتشاءم مما تأتى له في ذلك المساء وهو إنما أمسك عن رؤية حبيبته رغبة في المسير إلى مكة على عجل، فكيف يعود إلى الوراء بعد قضاء الليل في المشي والقلق ؟
قضى مدة سائرا في أثر الراعي ، على أرض رملية، بعضها رطب بما يرشح فيه من الماء، وفكره تائه حتى رأى نجم الصبح فعلم أن الفجر دنا ثم رأى الراعي وقف وأشار إليه قائلا: «ألا ترى الماء أمامنا عن بعد؟»
قال: «إني أرى سطحا لامعا وكأني أرى فيه سماء أخرى من انعكاس أنوار الكواكب.»
Bog aan la aqoon