قضى حسن ليلته في الخربة التي اختبأ فيها بجانب المعسكر، وهي تطل على الطريق المؤدي إلى مكة، ولم يغمض له جفن لشدة قلقه وتشتت أفكاره. وقد عظم عليه أن يخرج من معسكر الحجاج فرارا ولكنه أدرك أنه يستحيل عليه النجاة بغير ذلك، ولبث حتى الصباح وهو يفكر في وسيلة لإنقاذ سمية من الحجاج.
كان عبد الله قد وعده أن يوافيه في مخبئه ليدله على طريقة للفرار، فقضى ليله في هذه الهواجس، وفي الصباح صعد على أكمة أشرف منها على معسكر الحجاج لعله يرى عبد الله أو رسولا منه ، فرأى بينه وبين المعسكر أرضا خالية وتبين المكان جيدا. وفيما هو يتطلع رأى رجلا قادما على هجين من أطراف المعسكر كأنه آت من الصحراء، ثم اقترب الرجل منه فتبين أنه خادمه عبد الله، فاستبشر بقدومه، فلما وصل عبد الله ترجل وأشار إليه أن يعود إلى الخربة مخافة الرقباء، فقال له حسن: «ما وراءك الآن؟»
قال: «أبشرك أولا بأن الحجاج لم يقرب سمية وإن كان قد عقد قرانه بها.» قال: «وكيف عرفت ذلك؟»
قال: «عرفته عن ثقة، فقد أخبرتني به ليلى الأخيلية، وهي التي ساعدتنا في تدبير الحيلة للخروج.» وذكر له أمر القسم الذي أقسمه الحجاج، فانشرح لذلك صدر حسن، ثم قال: «وماذا دبرتموه للنجاة من بطش الحجاج، إني لأستنكف فرارنا على هذه الصورة، ويخيل إلى أن سمية لا ترضى مني هذا الضعف.»
قال: «إنها لما علمت بنجاتك سرت سرورا عظيما؛ لأنهم لو ظفروا بك لفتكوا بكما معا. ثم أي فائدة من بقائك في المعسكر بعد انكشاف أمرك، وهل تستطيع مقاومة الحجاج وجنده؟ وعلى أي حال قد جئتك بما استقر رأينا عليه في هذا الصباح، وهو أن أترك هذا الجمل عندك وأعود، فتتأهب أنت للرحيل في العشاء وتخرج من وراء هذا التل حتى تطل على الطريق التي تراها أمامك، وستجدني وسيدتي سمية هناك وكل منا على هجين ومعنا المئونة اللازمة للسفر في الصحراء أياما. ومتى بعدنا عن مكة صرنا في مأمن.»
فسر حسن لهذا التدبير، على صعوبة تنفيذه، وقال لعبد الله: «احذر أن يطلع أحد على ما دبرتموه، فتكون الثانية شرا من الأولى. وثق بأنني إن وقعت في هذه المرة فلن يسعني إلا أن أناضل عن سمية حتى أموت بين يديها.»
قال: «لقد أعددنا كل شيء، ولا خوف على سمية؛ لأن الحجاج لا يأتي إلى خباء أهله مطلقا في هذه الأيام للسبب الذي ذكرته لك.»
اطمأن بال حسن وجلس في مخبئه بالخربة يتناول طعاما أحضره له عبد الله، ولم تمض ساعة حتى سمع صوت قعقعة اللجم ووقع حوافر الخيل، فصعد إلى الأكمة وتطلع نحو مصدر الصوت فرأى أكثر من عشرين فارسا قد اكتسوا بالدروع، وفي مقدمتهم فارس ضخم أسود، هو قنبر عبد عرفجة. فلما وصلوا إلى المكان أشار قنبر بيده إلى حسن وقال: «هذا هو فأمسكوه.» فأحاطوا به من كل ناحية، ولم ير حسن بدا من التجلد فقال لهم: «ما بالكم؟ وما الذي تطلبونه؟»
فضحك قنبر مستهزئا وقال: «إن الأمير يدعوك إلى وليمة العرس!»
فاستشاط حسن غضبا من استخفاف العبد به، وقال له: «اخسأ يا عبد السوء.»
Bog aan la aqoon