كتاب الحج
من المسائل المتستخرجة من الأسمعة مما ليس في المدونة
لمحمد بن أحمد بن عبد العزيز العتبي
(٢٥٥ هـ)
ويليه
كتاب الحج
-[من كتب عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون]-
(١٦٤ هـ)
تحقيق وتعليق
ميكلوش موراني
جامعة، ألماني
دار ابن حزم
الطبعة الأولى
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
Bog aan la aqoon
الأوراق المتبقية من كتاب الحج
من كتب عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون
(١٦٤ هـ)
1 / 173
بسم الله الرحمن الرحيم
في الحج
حدثنا حبيب قال: حدثنا سحنون قال: حدثنا عبد الله بن نافع قال: حدثنا عبد العزيز؛
وحدثني محمد قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة؛ قال:
1 / 174
حدثنا عبد العزيز قال: قال الله جل ثناؤه:
﴿الحج أشهرٌ معلوماتٌ فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب﴾ .
وقال الله: ﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍ عميق﴾ .
وقال: ﴿وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم﴾ .
وقال: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا﴾ .
والاستطاعة، فيما بلغنا، مركبٌ وزادٌ.
1 / 175
فالحج فريضةٌ على كل مسلمٍ حجةً في الدهر، وقد حج رسول الله ﷺ فأرى الناس مناسكهم وأعلمهم ما يحل لهم في حجتهم وعمرتهم وما يحرم عليهم.
فتجرد رسول الله وأمر بالتجريد، ونهى عن لبس القمص والسراويلات والبرنس والعمائم والخفاف والقلانس.
ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين، وما سوى ذلك من لبس الثياب فهو حلالٌ لهن.
وللرجال والنساء أن يظاهروا من الثياب ما أحبوا، وأن يستبدلوا
1 / 176
منها ما كرهوا إذا لم يكن في ذلك شيءٌ مما نهي عنه من الثياب، أو شيءٌ مما مسه الزعفران والورس؛ ومن أراد أن يلبس شيئًا مما مسه الزعفران [أو الورس] فليغسله حتى يذهب لونه ويذهب ريحه.
وأحب ألوان الثياب إلى العلماء في [الإحرام] البياض من غير تحريم لما سواها.
بلغنا أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبين مصبوغين بمشق، فقال: يا معشر هؤلاء النفر، إنكم أئمةٌ يقتدي بكم الناس، يريد المهاجرين الأولين، ولا تلبسوا ثوبًا مصبوغًا في الإحرام.
ووقت رسول الله ﷺ لكل الناس مهلهم فقال: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من
1 / 177
قرن، وأهل اليمن من يلملم.
وقال فيما بلغنا: وهذه المواقيت لأهلها ولمن أتى عليها من غيرهم، ومن كان أهله من دون هذه المواقيت، فمهله من أهله.
فمن أراد أن يهل إن شاء الله فليأت مهله مغتسلًا، فإن ذلك يستحب أو ليغتسل عنده، ثم ليلبس ثياب إحرامه، ثم ليمس من الدهن، إن أحب، ما لا أطيب فيه إلا الشيء الخفيف، وإني أكره له أن يصيب من الطيب ما يبقى في رأسه ريحه حتى يجده بعد إحرامه، ثم ليدخل المسجد إن كان في حين صلاةٍ، فليصل ما كتب الله له.
فإذا خرج فإن كان له هديٌ يريد أن يسوقه فليستقبل بهديه الكعبة مناخًا، ثم ليشعره ويقلده ويسم الله على ذلك؛ وأي الشقين أشعره فيه فذلك له، فليأخذ في ذلك بأيسر ذلك عليه؛ ولا قوة إلا
1 / 178
بالله.
فإذا استوى على مركبه بفناء المسجد، مسجد ذي الحليفة، فليهل؛ وكذلك فعل رسول الله ﷺ فيما بلغنا، وكان إهلاله، فيما بلغنا:
لبيك اللهم لبيك، لبيك، لا شريك لك، لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لا شريك لك.
قال عبد العزيز: وأخبرنا عبد الله بن الفضل عن الأعرج
1 / 179
عن أبي هريرة أنه كان يقول:
كان من تلبية رسول الله ﷺ: لبيك إله الحق لبيك.
وكان ابن عمر يزيد فيها: لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك، لبيك والرغباء إليك والعمل.
ومن السنة الجهر بالتلبية والاستكثار منها إلا النساء، فإنه ليس [عليهن؟] الجهر والتلبية في المسير والمنزل وخلف الصلوات.
ولقد بلغنا أنهم كانوا لا يبلغون الروحاء حتى تنبت حلوقهم.
1 / 180
ولا يصطاد المحرم ولا يأمر بصيدٍ ولا يدل عليه، ولا يقتل من الدواب شيئًا إلا ما أرخص فيه رسول الله ﷺ؛ فإنه بلغنا أنه قال: خمسٌ فواسق ليس على المحرم جناحٌ في قتلهن: العقرب، الفأرة، والكلب العقور، والغراب، والحدأة، والحية؛ يشك أحدٌ في قتلها.
وأما الكلب العقور فإن تأويله في رأينا:
كل ما عدا على الناس من السباع الأسد والنمر والذئب وما أشبهه؛ ومما دلنا على ذلك أن الكلب الذي ليس بعقورٍ ليس في قتله جناحٌ على المحرم لأنه أنيسٌ أهلي، فكيف بالعقور منها، فعرفنا أنه إنما أراد ما عدا من الوحش، فذلك شبه الفواسق.
والمحرم لا يفلي رأسه ولا ثوبه، ويحك رأسه حكًا خفيفًا
1 / 181
يذهب عنه الأذى، ولا يقتل به شيئًا، وهو يغتسل من الجنابة كما كان يغتسل من غير الجنابة، ويغسل ثوبه فيطهره إذا نجس عليه، وينقش الشوكة، ويفقأ الدمل، [ويربط] الجراح، ويحتجم إذا اضطر إلى [ذلك؛..؟ .. رسول الله] صلى [الله] عليه على هامته وهو يومئذٍ [بمكة.. ..؟ .. ..] له بلحى جملٍ بين السقيا والطلوب، ثم [..؟ .. ..] لذلك شيئًا.
والمحرم يدهن [جلده..؟ .. ..] كان فيه طيبٌ، فما لم يكن فيه [طيب.. ..؟ .. ..] كله إذا اضطر إلى [.. ..؟ .. ..] .
فمن اضطر إلى أن يتداوى بشيءٍ من الطيب فإنه يفتدي بذبح شاةٍ فيتصدق بها كلها لا يأكل منها شيئًا، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين مدين مدين من حنطة بالمد الأول، مد النبي ﷺ؛ ولا نعلم مدًا أقرب إليه من مد مروان بن الحكم، فإنه أول من زاد
1 / 182
في المد بعد النبي فيما بلغنا.
والفدية ينسك بها صاحبها حيث أحب وكان أيسر عليه، وتعجيل ذلك إذا تيسر خيرٌ من تأخيره.
فإذا دخل المحرم الحرم، فإن الناس قد اختلفوا، ونحن نرجو أن يكون ما كان من اختلافهم سعةً لمن بعدهم؛ وكان ابن عمر إذا دخل الحرم وصمت عن التلبية وكبر وحمد الله وهلله حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويفرغ منهما، ثم يعود إلى التلبية حتى يغدو إلى عرفة، فإذا غدا إلى عرفة صمت عن التلبية وكبر الله وحمده وهلله؛ وكان يقول، فيما بلغنا: كنا مع رسول الله صلى الله عليه غداة عرفة، منا المهلل ومنا المكبر، فأما نحن فنكبر.
وكان أنس بن مالك يقول: كنا مع رسول الله ﵇، منا المكبر، ومنا المهلل، لا يعاب على المكبر تكبيره ولا على المهلل إهلاله.
1 / 183
فأما الجماعة فيما مضى فكانوا لا يتركون التلبية حتى يروحوا إلى الموقف، ثم يتركوها حتى يقضوا حجهم.
وكان الفضل بن عباس وأسامة بن زيد ردفي رسول الله صلى الله عليه، فيما بلغنا، ليلة المزدلفة وغداة جمعٍ، ردفه أسامة من عرفة إلى المزدلفة، فذكر عنه أنه لم يزل يلبي حتى جاء المزدلفة، وردفه الفضل من المزدلفة حتى رمى الجمرة، فذكر عنه أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة وزعموا أن ابن مسعود كان يعمل بذلك؛ والأئمة اليوم على ذلك.
فإذا قدم المحرم مكة بدأ بالطواف واستلام الركن إن استطاع، وليس ذلك بواجبٍ عليه، يخب ثلاثة أطوافٍ ويمشي أربعة؛
1 / 184
وليس على النساء خبب رمل، ولا سعي في بطن الوادي بين الصفا والمروة.
فإذا فرغ من البيت صلى ركعتين، ثم رجع إلى الركن فاستلمه؛ فإن ابن عمر كان يرفع ذلك إلى النبي.
والركعتان عند المقام أو حيث كان أرفق عليه إن لم [يستطع (؟) .. أن يخرج] إلى الصفا من باب بني مخزوم الذي عند [المسجد (؟) ..] [ضا (؟) ..] إلى النبي ﵇، ثم يعلو من الصفا [..] نا [..؟ .. يستـ (؟) ـطيع] ذلك، والناس من ذلك في سعةٍ [..]؛ [ثم..؟ ..] يهلل ما بدا له، وقد كان
1 / 185
منهم [المصـ (؟) ..] يشبهه الوسط، ثم يهبط فيمشي حتى [..؟ ..] على يمينك شفير الوادي، فاسع إذا حاذيت بها، فإنها، زعموا، من بطن الوادي حتى تأتي الزقاق الضيق على يسارك وأنت مصعدٌ من نحو المروة، فإذا حاذيت بذلك الزقاق فامش حتى تأتي المروة، ثم اعل منها مكانًا مثل المكان الذي علوت من الصفا، ثم افعل مثل ما فعلت على الصفا، ثم امش حتى تحاذي الزقاق الذي وصفت لك؛ فافعل هذا في كل طواف الوتر عند المروة.
والشفع عند الصفا، تبدأ بالصفا وتقضي طوافك بالمروة؛ فإذا فرغت من الصفا والمروة أقمت بمكة ما بدا لك.
والذي يستحب الناس بين الرواح من مكة عشية التروية مع الإمام، والإمام يصلي الظهر بمنىً تلك العشية، والإمام يخطب الناس بمكة قبل التروية بيومٍ فيعلم الناس مناسكهم ويحضهم على تمام حجهم؛ ومن تقدم قبل التروية إلى منى فلا جناح عليه.
وليس الطواف الذي يطوف الناس حين يقدمون مكة بواجبٍ عليهم، إنما هو من أجل الطواف بالصفا والمروة؛ ولكن من قدم مكة فإن العمل بذلك السنة.
1 / 186
ويبيت الإمام بمنىً ليلة عرفة حتى يصبح، ثم يغدو إلى عرفة.
وقد كان أنس بن مالك يحدث عن النبي عن غداة عرفة مثل حديث ابن عمر؛ قال أنس: كنا مع رسول الله فمنا المكبر ومنا المهلل، لا يعاب على المكبر تكبيره، ولا على المهلل إهلاله.
وقد بلغنا أن عمر بن عبد العزيز بعث إلى سالم وإلى القاسم فيسألهما عن التلبية في غداة عرفة أو التكبير، ثم بعث من يصيح في الناس يأمرهم بالتلبية.
ولا جناح على من أدلج من منىً إلى عرفة؛ والناس يأخذون في ذلك بما يسر من أهل الأنفال من النساء والصبيان.
ومن أحب أن يهدي أو كان عليه هدي في تمتع أو غيره، فليس بعد عرفة هدي، إنما الهدي ما وقف بعرفة، وقد أوجبه صاحبه، وأما ما اشترى بمنىً، وإن كان قد وقفه الذي باعه، فإنما
1 / 187
ذلك أضحية، ليس وقف التأخر وقفًا، إنما الوقف بعرفة وقف الموجب المقلد المعشر.
والسنة في [الصلاة] بعرفة والخطبة أن تعجل الصلاة، إذا مال النهار تقصر الخطبة لتعجيل الوقت، والجمع بين الصلاتين الظهر، ثم لا يلبث حتى تقيم العصر ويصليها؛ والفضل في الصلاة مع الإمام، ذلك مما يجزيه الناس بعضهم عن بعضٍ، ولأمرٍ لم يصل مع الإمام جمعهما في منزله جميعًا، ثم وقفوا يدعون ويكبرون ويهللون ويحمدون.
وبلغنا عن النبي ﵇ أنه كان يقول: لم أقل أنا ولا الأنبياء من قبلي شيئًا أفضل من لا إله إلا الله وحده، لا شريك له؛ له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ.
1 / 188
وقد سمعنا من يزيد فيها: يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قديرٌ.
وقال النبي ﵇، فيما بلغنا: هذا الموقف، وعرفة موقفٌ، وارتفعوا عن بطن عرنة.
ومن لم يقف بعرفة قبل الفجر فقد فاته الحج.
وقد بلغنا أن أسامة كان رديف رسول الله ﷺ وأنه حدث عن سيره، فقال: سيره كان العنق والتزيد، وإذا وجد فرجةً نص. قال: ما رأيت ناقته رفعت يديها بشد حتى جاء المزدلفة؛ وقد دخل رسول الله ﷺ الشعب الذي بالمزدلفة.
1 / 189
وكانت الأئمة في زمان بني مروان يصلون فيه، وكان ابن عمر، وهو أوثق وأعلم إن شاء الله، يقول: لم يصل فيه، إنما توضأ وصلى بالمزدلفة؛ وكان ابن عمر يصلي بالمزدلفة.
وكذلك السنة عندنا إلا أن تصيب أحدًا عرجةٌ أو علةٌ، فالصلاة حيث أدركته من مسيره؛ فأما من سرح سبيله من الناس كلهم فالمزدلفة مصلاه.
والسنة في المغرب والعشاء في الجمع بينهما كما كان في الظهر والعصر بعرفة، يصلي المغرب، ثم لا يلبث حتى يقيم العشاء فيصليها، ثم يبيت الناس بالمزدلفة ليلتهم، ويدلج من أحب من أهل الأنفال من النساء والصبيان؛ قد أرخص لهم في ذلك.
بلغنا عن رسول الله ﵇ أنه بعث عبد الرحمن بن عوف مع نسائه بليل تلك اللية حتى فرغوا ورموا، وصلت أم سلمة الصبح بمكة، وكان يومها الذي كان يدور إليها فيه النبي، وإنه قام عندها بمكة ذلك اليوم.
1 / 190
والناس يأخذون حصاهم من المزدلفة ويعدون حصىً كحصي الخذف أو أكبر منه سبع حصايات لكل إنسان، فإذا تبين الفجر صلى بالناس الصبح، ثم وقفوا ووقف الإمام على قزح، وهو المشعر الحرام.
ووقف عليه رسول الله ﷺ، ثم قال: هذا الموقف، والمزدلفة كلها موقفٌ، وارتفعوا عن بطن محسرٍ.
ثم يدفع الإمام إذا أسفر ويتبين مسيره قبل مراهقة الشمس، ثم السير تلك الغداة كسيرهم في الليلة قبلها.
وكان ابن عمر يضرب راحلته إذا هبط بطن محسرٍ، وليس ذلك [.. ..] (١) .
_________
(١) هذه هي الورقة الأخيرة من كتاب الحج في الجزء المبتور من كتب الماجشون في رصيد المكتبة العتيقة بالقيروان - حرسها الله - فلم أعثر على باقي أوراق هذا الكتاب إلى الآن.
1 / 191