وفي تلك الأثناء وضع كتابا في قوانين الموظفين مع تعليق شامل، وكان للكتاب دوي في أوساط الموظفين. ورغم تقدمه في السن ثابر على طاقته الخارقة في العمل والترجمة، حبا فيهما، وهربا من شبح حياته الزوجية وعواطفه المشبوبة المتسمة في نظره بالنزق والطيش وقال لنفسه: فلأعترف بأن ساعة عرض البريد في الصباح هي نصيبي من سعادة الدنيا!
تبادل تحيات، تراشق بسمات، تعليقات مصلحية، دعابات خفية، إشارات ثناء لبقة إلى التسريحة أو الحذاء أو البلوزة.
ومرة كان يثني على تسريحتها قالت: أفكر في تقصير شعري ..
فهتف محتجا: كلا.
وابتسمت لحرارة الاحتجاج على شأن لا علاقة له بشئون اللوائح. - ولكن ...
فقاطعها: اتركيه وشأنه. - ولكن الموضة .. - لا خبرة لي بالموضة ولكنني أحبه كما هو ..
وتورد وجهها. تفحصها بعناية فلم يعثر على أثر لاستياء. وأراد أن يستغل الدروس التي تلقاها في لحظاته السعيدة الماضية فانتهز فرصة وجودها ذات صباح وقدم لها علبة صغيرة أنيقة وذهلت راضية وتساءلت: ما هذا؟ - شيء بسيط لمناسبة كبيرة .. - ولكن .. ولكن كيف عرفت؟ - عقبى لمائة عام .. - إنه يوم ميلادي حقا. - طبعا .. - ولكن .. ما أنبلك! .. الحق أني لا أستحق. - الحق أنك لا تحسنين الكلام كما تحسنين التأثير .. - إني ممتنة. - وإني سعيد.
وتنهد. واستجمع إرادته. ثم أذعن لعواطفه كلية وبلا احتراس وفي اندفاع انفعالي خطير، قال: ما الحيلة؟ .. إنه الحب ..
فغضت بصرها متلقية اعترافه باستسلام قدري عذب. - آخر ما يجوز الحديث عنه، ولكن ما الحيلة؟
غمق وجهها الأسمر بالدم المتصاعد ولكنها لم تذهب، جلست مستسلمة كأنها تتطلع للمزيد. - لست شابا كما ترين.
Bog aan la aqoon