واضح جدا أنها تود أن تعمل في النور. وما يعنيه ذلك واضح أيضا .. ترى هل بات تحت رحمتها؟ هل ترغمه الظروف على قبول ما ليس في مخططه؟ هل تحاصره عناصر هدم تبدد بصفة نهائية حلمه الوحيد المقدس الممتنع؟ .. وتحدى من خلال خواطره المخيفة المجهول فأنذره بالقتل، حتى خجل من أفكاره وهو يلحظ الغزال الأسمر الذي يثب متأبطا ذراعه في فرحة تباركها السحائب السابحة في سماء الحديقة. وسرعان ما صفت نفسه فدفن وساوسه، وهادن آماله الملحة، ليذوب في المفاتن المشرقة، ويتذوق السعير المشتعل في جوفه. ووجد أن كوعه يلامس جسدها اللدن، ويتلقى من مجاهيله الفتية إشعاعات من السحر، تفرس المكان حوله بنظرة متلصصة آثمة، ثم لثم خدها، وعنقها، ثم التقت شفتاهما. قال بصوت لم يعرفه: أنت فاتنة يا أنسية.
فابتسمت في حياء وسعادة فقال بحرارة: أود أن ..
وسكت هو يتنفس بصوت مسموع فتساءلت: هه؟ - كأنني أعرفك منذ الأزل ..
فابتسمت في رضى وإن طالبت عيناها بالمزيد. قال: ما أجمل المكان! كل شيء ينطق بجمال صارخ .. - أنت تحب الطبيعة!
وقع القول من أذنه موقعا غريبا وساخرا بقدر بعده عن واقعه. قال: أنت التي جعلت كل شيء جميلا .. - لا تبالغ، أتحب أن أصارحك بشيء؟ - جدا! - تبدو عادة غير مهتم بشيء. - حقا؟ .. وهل صدقت ما يبدو؟ - لا أدري، ولكنني شعرت بأنك لغز بقدر ما أنت طيب .. - لا معنى لذلك كله، الحقيقة الوحيدة المسلم بها هي أنك فاتنة .. - وبعد؟ - وما بيننا يجب أن يبقى إلى الأبد مهما يكن المصير! - المصير؟! - ألم يخبرك الملف الإداري بشيء غير طيب؟ - أبدا. - أنت أجمل شيء في حياتي ..
فقالت بهدوء واستسلام: وأنت كذلك ..
فلثم خدها من جديد وهو يضغط على راحتها بقوة وهمس: ما أشد حيرتي بين ما أريد وما أستطيع. - هل تريد شيئا ولا تستطيعه؟ - الدنيا مليئة بالرغائب الممتنعة .. - حدثني عما يخصني أنا ..
لها حق. ما زال فوه يندى بقبلتها. ما زال كوعه يلامس فتنتها الطرية، وهما يختالان أمام الفيل الذي يرفع خرطومه تحية لهما. - ليكن ما بيننا سرا. - لماذا؟ - كي لا يسيء أحد بنا الظن. - ولماذا يسيء بنا الظن؟ - هكذا الناس. - لا سوء بيننا. - ولكن هكذا الناس يا عزيزتي.
ضحكت بمرح وتساءلت: أدعوتني يا أستاذي لتعظني؟ - دعوتك لنتعارف ولأتوكد من أن قلبي على حق. - وماذا كانت النتيجة؟ - آمنت بأن القلب خير دليل!
تساءل طيلة الطريق لم لم يعترف لها بحبه صراحة؟ لم لم يطلب يدها؟ وعلى فرض أنها ستقلب حياته رأسا على عقب وستقيم له في محراب الحياة قبلة جديدة أليست هي أقدر على إسعاده من النجم القطبي؟!
Bog aan la aqoon