شعر بأن المحفوظات تثب وثبة موفقة نحو الحياة المضيئة، وأنها لن تخلو بعد اليوم مما يحرك القلب والعواطف، وتبددت بعض الشيء سحب الذكريات السوداوية، وتذكر بدلا من ذلك سيدة وسنية وأصيلة ناظرة المدرسة وقدرية فقال لنفسه: إن عالم النساء لا نهاية لتنوعه وعذوبته وعذاباته. وتساءل في حيرة: أيهما الغاية وأيهما الوسيلة، المرأة أم الدرجة؟!
وقال أيضا: رجال كثيرون عاشوا بلا درجات ولكن من منهم عاش بلا امرأة؟
في مثل سنه يفكر الإنسان مرتين. قد يضيق بصحبة الكتب ويتأفف من العمل، ويشق عليه الحرمان والتقشف ويطارده الماضي بلا رحمة. في مثل سنه تشتد الحساسية بالعزلة والوحشة، وبالانتظار المؤرق لمجد يتعسر. وأمس قال له حمزة السويفي ضاحكا: ها هي شعرة بيضاء في رأسك يا عاهل اللوائح المالية!
فزع كأنما ضبط متلبسا بجريمة، وقال: لعل المنظر خدعك يا سيدي المدير. - لتكن المرآة حكما بيني وبينك فانظر جيدا في البيت ..
فتمتم منهزما: جاءت قبل الأوان.
فقال مدير الإدارة ضاحكا: أو بعد الأوان، لقد عرفت الشيب وأنا أصغر منك بعشرة أعوام ..
وضحك المدير طويلا ثم قال: أمس دار حديث عنك مع بعض الزملاء، تساءلنا بحيرة كيف تعيش؟ قلنا إنك لا تظهر في طريق أو مقهى أو حفل فأين تقضي وقتك؟ وقالوا إنه غير متزوج فلماذا يعيش؟ وقالوا إنه لا يهتم لشيء مما يهتم به الناس فماذا يهمه حقا في الدنيا؟!
فابتسم في فتور وقال: يؤسفني أنني شغلت بالكم .. - إنك رجل قادر وفاضل ولكنك غامض، ماذا يهمك في هذه الدنيا؟
فقال وقلبه يلهث حيال حصار التحقيق: لا غموض يا حمزة بك، إني رجل هوايته الواجب وقرة عينه في عبادة الله .. - ونعم بالله، أرجو ألا أكون قد ضايقتك، المهم أن يرضى الإنسان عن نفسه ..
ولكن أين الرضى أين؟!
Bog aan la aqoon