فتقول راضية بحماسها المندفع: ولكن الدنيا لا تساوي هذا التعب!
فيقول مقهقها: ما خلقنا إلا للتعب يا درويشة!
وكان يزور عبد العظيم داود في العباسية الشرقية، ويسعد بإخباره عن نجاحه وأمواله، ويناقشه في القضايا، وكان عبد العظيم يقول لفريدة عقب انصرافه: المرض أحب إلي من لقاء هذا الجلف.
فتقول فريدة هانم: امرأته جوهرة ثمينة!
فيقول ساخرا: ربنا يصبرها على ما بلاها!
ولم تقصر نازلي التي تحبه أكثر من أي شيء في دنياها في نصحه بالاعتدال، ولكن شيئا لم يكن يثنيه عن خطه أبدا. وسألته أيضا: ألا يمكن أن ينفعك عبد العظيم داود في قضاياك؟
فقال ممتعضا: إنه يتظاهر بالنزاهة ليداري نذالته وانعدام مروءته، وما هو إلا كافر ومقلد للإنجليز يشرب الويسكي مع الغداء والعشاء!
ولما قامت ثورة 1919 تحرك قلبه بعاطفة جديدة لأول مرة، ومسه سحر الزعيم، وتبرع ببضعة آلاف من الجنيهات، ولأول مرة أيضا يلمس في الفلاحين البسطاء قوة مخيفة لم يعهدها من قبل. ولما حصل الخلاف، وتبين أن للعرش موقفه، وللعدليين موقفهم، وللزعيم موقفه، أخذ يعيد حساباته، واجتمع بأخيه في سراي ميدان خيرت، وسأله: ما رأيك فيما يجري اليوم؟
فقال أحمد ببراءة: لا شك أن سعد على حق.
فقال ببرود: إني أسأل عن مصلحتنا.
Bog aan la aqoon