وكانت الهانم تشاركه عواطفه، وتحب راضية، وتحب عامرا بصفة خاصة فسرعان ما استجابت. وسر عمرو وراضية بذلك، وكان عمرو تياها فخورا بأقاربه العظام فاعتبر ارتباطه بهم بالمصاهرة فوزا كبيرا. وكان محمود عطا بك يفكر في عامر كزوج لشكيرة، فلما سقط الفتى في أيدي منافسيه قال لعمرو: سيكون حامد لشكيرة.
وتمت بذلك سعادة عمرو، الأمر الذي عرضه لملامة شقيقه سرور، فأخذ عليه تجاهله لبناته، ودافع عمرو عن موقفه متعللا بجمال بنات أخيه اللاتي لا يخشى عليهن من البوار، وبفقر أولاده الذين في حاجة إلى دعامة. فقال سرور بمرارة: إنهم يضنون عليك بالذكور.
فتألم عمرو، ولكنه قال مستوحيا طبيعته المتواضعة: رحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
فقال سرور وهو يداري غضبه: أصبحت يا أخي درويشا لا تغضب!
وود عامر أن يلتحق بمدرسة الطب معتمدا على تفوقه العلمي، ليكون أهلا بكل معنى الكلمة لعفت، ولكن أباه اختار له مدرسة المعلمين لامتيازها بالمجانية، قائلا لابنه المحبوب: المجانية في الطب متعذرة، والعين بصيرة واليد قصيرة.
وكان عامر مثالا في الطاعة والتجاوب مع الحقائق مهما تكن مرارتها، فقال لأبيه متظاهرا بالرضا: المعلمين مدرسة عليا على أي حال.
وتسامحت عفت وآلها، وقالت عفت لنفسها إن معلما تحبه خير من طبيب لا تحبه. وهضم عامر خيبة أمله العسيرة ومضى في طريقه مكللا بالنجاح والرضا. ولما قامت ثورة 1919 دخل معبدها مع أسرته، واشترك في المظاهرات، من قلبه الصافي يحيا سعد. وكان في السنة النهائية فسرعان ما ابتعد عن النشاط المباشر بممارسة حياته العملية. وقد اتفق على الزواج بعد عام واحد من ذلك التاريخ. أصبح ضيفا في أسرته التي لم يخلف في صدور أبنائها إلا كل طيب، باستثناء المشاحنات التي كانت تقوم بينه وبين أخيه حامد بسبب طبيعة حامد المتمردة وسلوكه الجامح ... وكم بذلت راضية من تعاويذها وتمائمها لطرد روح الشر من بين الشقيقين، ولكن ما إن بدآ حياتهما العملية حتى حل الصفاء مكان الكدر. وكان عبد العظيم داود قد شيد لابنته بيتا في بين الجناين، دخلته الكهرباء والماء والمجاري، وتحلى في خلفيته بحديقة صغيرة، فانتقل عامر مع عروسه المتفرنجة إلى البيت الجديد ليستهل حياة زوجية سعيدة طويلة. وقد هز الزواج أسرة آل عمرو من أول يوم. وضح تماما أن العروس الجديدة من طراز مخالف لأخوات عامر، فهي متخرجة في الميردي دييه، ترطن بأكثر من لغة، وتتقن اللعب بالبيانو، وتعرف معلومات عن فرنسا وتاريخها وديانتها ولا تكاد تعرف شيئا عن بلدها تاريخا أو عقيدة، وتفاخر بذلك دون خفاء، برغم تفشي الروح التي أطلقتها الثورة الوطنية. وكانت ذات شخصية قوية متسلطة فالتهمت شخصية زوجها الوديعة الدمثة، فلم يجرؤ الشاب على تذكيرها بأن الصوم واجب في رمضان، وصام وحده معتمدا على نفسه في إعداد سحوره، وإلى ذلك فقد بهر برطانتها ومهارتها في العزف. ولما خرج العدليون على سعد زغلول وجد عامر نفسه غريبا في آل داود، وتجنب تكدير الصفو بالدفاع عن وفديته الكامنة فطواها في صدره. ولم تكن عفت تهتم بالسياسة أي اهتمام جدي، ولكنها جارت أباها تعصبا له ليس إلا، وكانت تقول لزوجها: لا وجه للمقارنة بين عدلي باشا النبيل وبين زعيمك الأزهري!
فيبتسم عامر متحاشيا الجدل، ومرة سأله عبد العظيم داود: هل تعتقد حقا أننا نستطيع تحمل أعباء الاستقلال؟
فتساءل عامر: لم لا؟
فأجاب الرجل: حسبنا استقلال ذاتي ولكننا بدون حماية الإنجليز نضيع بلا رحمة.
Bog aan la aqoon