فيقول حسين قابيل: ولكنها يا عمي ستواصل تعليمها إلى النهاية.
فتقول راضية ضاحكة: يا له من عالم مجنون، ولكنه لذيذ.
فتقول سميرة: لن نفرق بين البنات والصبيان في شيء.
وتسألها راضية: وإذا جاء عريس في السكة؟
فتقول سميرة دون تردد: عليه أن ينتظر أو يذهب مع السلامة.
فيقول الأب مداريا اعتراضه بابتسامة: سميرة ... أنت خواجاية غريبة في أسرتنا!
وفعلا حين المراهقة رآها تاجر في زيارة لدكان والدها فأراد أن يخطبها، ثم عدل لما عرف أن عليه أن ينتظر حتى تنتهي من تعليمها. ولكن جاء زائر آخر عجزوا عن التعامل معه. كانت قد جاوزت الخامسة عشرة، وكانت تجالس أمها وإخوة لها في الشرفة، عندما سقطت على وجهها متصلبة الجسد مرتجفة الأطراف وفوها ينثر الزبد ... آه ... إنه الصرع. وكانت مأساة قاسم قد حفرت في الوجدان ... ولكن هذا صرع شديد العنف. واستدعي الطبيب ونصح بالراحة وتغيير الهواء ومزيد من لين المعاملة، وانقطعت عن المدرسة، وحلت في عينيها النجلاوين، مكان النظرة المتألقة، أخرى خابية ذاهلة، وتلاشى الحوار وحل محله هذيان. واستغاثت سميرة بأمها، وقال حسين قابيل: لو كانت تملك نفعا لنفعت به ابنها.
ولكن سميرة لم تأخذ بذلك المنطق، وجاءت راضية ببخورها ورقاها وتعاويذها. وطافت بالبنت أضرحة الأولياء وآل البيت، ومضت الحال من سيئ إلى أسوأ، فلم يبق منها إلا خيال.
وفي صباح يوم من الأيام قالت بدرية لأمها: رأيت في النوم أميرا يدعوني إلى نزهة في القناطر.
فران التشاؤم على قلب سميرة، وعند الضحى احتضرت الفتاة ثم أسلمت الروح. هكذا فقدت سميرة بكريتها كما فقدت مطرية بكريها، ولكنها فقدتها وهي في أوج صباها، وأحاط بها المعزون من آل عمرو وسرور، ومحمود بك عطا وأحمد بك عطا، وعبد العظيم باشا داود. وشد ما حزنت راضية، وكانت تتذكر حال ابنتها وتناجي ربها قائلة: رحمتك يا رحمن يا رحيم.
Bog aan la aqoon