وجه وضيء الطلعة كأنه السعادة المقبلة، يصل إليه دم الشباب من القلب فيتحول فيه إلى جمال وفتنة، كما تجول قطرات الماء في غصن الياسمين ثم تتحول في تلك الزهرة الطاهرة العطرة إلى جمال وابتسام وكأن معاني الحسن التي تتحير في خديه حقيقة إلهية تطل على النفوس من وراء الشفق.
فيه حاجبان كأنهما تمثيل للانحناء الخطي في الهندسة السماوية التي وضع الجمال على قواعدها، يمتدان فما أدرى ما أمثلهما به غير أني لا أظن الفتنة القلبية تمتد مجتمعة إلا بمثل هذا اللطف، وينتهيان إلى طرفين دقيقين لا يغمز بهما إلا ثقبا القلب من جانبيه.
وتحتهما عينان تنظران - والله - بروح تكاد تنطلق ولا يفهم عنهما إلا كأنها ناطقة، وتضطربان فكأنما يضطرب معهما جلال السماء إذ يلوح في صفائهما، وتغضيان تفترا ودلالا فكأنما تلقيان على الروح فترة تحلم فيها من أحلام السماء وتستيقظ، وتدوران بما يشبه الحياة والموت كأنهما الكلمتان الإلهيتان «كن ويكون» في محجرين واسعين كأنهما في هذا الجمال منفذا القضاء والقدر.
وخدان تحير فيهما الجمال فوقف يتلفت عن يمين وشمال، وتظن من التهابهما بشعاع الجمال أن العقل الجميل انقسم فيهما إلى فكرين يتوقدان ليقبس منهما الشعراء نار النبوغ التي يضطرم بها العقل والقلب والروح فيصرن جميعا شعلة واحدة تضيء بالشاعر على آفاق الحكمة والحب والإيمان، وتراهما أسيلين بارزين، فيالله! هل هما ثديان صغيران من الورد يرضعان طفل الحب - الذي هو النحلة الإلهية في لذع الأرواح وإطعامها - العسل والمعسول؟
وبين الخدين أنف جميل تنحدر عليه اللحظات الفاتنة وتلتقي إليه الأشعة الوردية فهو خلاصة الجمال، وتراه بين ذينك الخدين كالإنصاف بين القوتين، فالنظرة إليه وإليهما ترجع إلى قلب المحب بالخوف المطمئن الذي لا ينفك يخوفه الحب ويبعثه عليه.
ودون ذلك فم أصغر من فم الحقيقة، كأن في شفتيه الرقيقتين الحمراوين روح الدم، ولقد استدارتا على ثغر هو الكأس التي يسكب فيها حنين الروح ممزوجا بلهفة القلب معطرا بابتسامات العواطف الشريفة التي أزهرت في ربيع الغرام، ويرشف كل ذلك في قبلة لا يراها العاشق السعيد إلا روحا من الحب يؤتمن عليها ضميره الشريف.
يا رحمة لهذا الجمال كله إذ يباع كأنه عرض من العروض التجارية، وهل يكفر عن جريمة القتل أيها الأغنياء أن تكون دية القتيل كفنا من خيوط الذهب؟
ألا بعدا ألا بعدا! ولعمري أي سخرية من الجمال أقبح من إرسال الجميلة لتقلم بألحاظها أظفار الوحش؟
غفرانك اللهم! أفرغت السماء فلم يبق فيها رجم واحد يسقط على شيطان من أولئك الشياطين فيتركه عبرة خالدة في تاريخ التجارة بالجمال؟
أيوثق فؤاد الحسناء بالسلسلة الربوض التي صيغت من كلمات الزواج ثم يشد طرفها في يد الرجل الذي تكرهه أو ستكرهه شخص البغض ويقال مع ذلك إنهما ارتبطا برباط مقدس ... ألا تسمع أيها البغيض صلصلة هذه السلسلة في دموعها أو في تنهدها أو في أنينها وكل ذلك لعنات تنسكب من جوانب روحها؟
Bog aan la aqoon