Hadith of the Calamity on Thursday in Sahihs
حديث رزية يوم الخميس في الصحيحين
Noocyada
وأما قولهم: إنّ الأكثرية الساحقة كانت على قول عمر ﵁، ولذلك رأى رسول الله ﷺ عدم الجدوى من كتابة الكتاب، لأنه علم بأنهم لن يمتثلوه بعد موته. فهذا الكلام مع ما فيه من الكذب على الرسول ﷺ والطعن على الصحابة بمجرد التخرص والظنون الكاذبة، فهو دليل على جهل مركب، إذ الرسول ﷺ مأمور بالتبليغ سواء استجاب الناس أو لم يستجيبوا، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾ المائدة٩٢. فلو كان الرسول ﷺ أمر بكتابة الكتاب، ما كان ليتركه لعدم استجابة أصحابه، كما أنه لم يترك الدعوة في بداية عهدها لمعارضة قومه وشدة أذيتهم له، بل بلّغ ما أُمر به، وما أثناه ذلك عن دعوته، حتى هلك من هلك عن بينة، وحيَ من حيي عن بينة (١).
فلو كان في هذا الكتاب أمر شرعي واجب التبليغ لاستحال شرعًا وعقلًا وعرفًا أنّ يتركه النبي ﷺ علمًا أنّ الحادثة يوم الخميس ووفاته ﷺ يوم الاثنين بالاتفاق فلماذا لم يبلغه بعد؟ علمًا أنه أوصى بعد ذلك بغيره من الوصايا الأخرى الواردة في الحديث نفسه؟
قال النووي:"كان النبي ﷺ همّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، أو أوحي إليه ذلك، ثم ظهر أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول" (٢).
ثم لو سلمنا لهكذا شبه فستفتح علينا أبواب كثيرة أمام شبه أكبر، إذ على هذه القواعد العرجاء يستطيع أي مفتر كذاب أن يدعي ما يشاء في أي مسألة! فالدين كمل والرسالة تمت وما مات النبي ﷺ إلا وقد بلغ الدين كله.
وقال شيخ الاسلام:"إن قيل: أن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور، فلأن تكتم كتابا حضره طائفة قليلة أوْلى وأحرى. وأيضا فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته، ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته، لكان النبي ﷺ يبيّنه ويكتبه، ولا يلتفت إلى قول أحدٍ، فإنه أطوع الخلق له، فعُلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجبًا، ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ، إذ لو وجب لفعله، ولو أن عمر ﵁ اشتبه عليه أمر، ثم تبيّن له أوشك في بعض الأمور، فليس هو أعظم ممن يفتى ويقضى بأمور ويكون النبي ﷺ قد حكم بخلافها، مجتهدا في ذلك، ولا يكون قد علم حكم النبي ﷺ؛ فإن الشك في الحق أخف من الجزم بنقيضه" (٣).
(١) الإنتصار للصحب، الرحيلي ص٢٩٣،بتصرف. (٢) شرح النووي ١١/ ٧٦،وينظر منهاج السنة ٦/ ٣١٥،وفتح الباري ١/ ٢٠٩. (٣) منهاج السنة ١/ ٣٩٦.
1 / 38