بالمال وبالسلطة؛ لأنني سأحتاج لاستغلال أرواح بعض الناس ونفوسهم لتساعد الأرواح العلوية والجن والشياطين، وبغير ذلك لا أستطيع اختصار الوقت، فإما أن أوفر على جلالتكم وأعمل سنوات وإما أن أعان وتبسط يدي فأكتفي بستة من الشهور، والأمر لمولاي.
الملك :
لك كل ما تريد على أن تعدني بإتمام العمل في ستة أشهر.
الأستاذ :
أعد مولاي صاحب الجلالة بأن أتمم صنع التاج بمدة لا تتجاوز الشهور الستة إن شاء الله.
الفصل التاسع عشر
قال الراوي: سر الملك للتاج السحري الذي وعد به، وبعث تخيله لعظمة ذلك التاج وروعته زهوا في نفسه، ملأ كيانه، إنه سيتفرد به بين ملوك زمانه، وكم أيقظ حب التفرد من غرور، وسيكون لأزمة التجسس حل يهتدي به لأبناء الحرام؛ فيبعدهم عن نعيمه وعن حمل التبعات، فالتفت إلى الأستاذ الجليل، وقال بصوت المطمئن المستسلم: قد وثقت بوعدك، وها أنا أصدر أمري للخازن بأن يمنحك ما تحتاج إليه من مال، وسأدعو رجال الدولة وأركان المملكة لطعام الغداء وتكون معهم، فيدركون مقامك عند الملك، فلا تقف في سبيل مشروعك عثرات، ولا تكتنفه صعوبات، وسأخصص لك قصرا بجانب قصري، يكون مسكنا لك إلى أن تستقر الأمور على وجهها الأمثل.
ما سمع المشعوذ الماكر بما وعده الملك من عطاء وعناية، حتى كاد قلبه يطفر من عينيه لشدة فرحه، ولكنه - وهو الماكر الخبيث - رأى الموقف يدعو لإظهار العفة والتواضع، فوقف منحنيا انحناء العبد لسيده وطفق يرتل آيات الحمد والثناء، ويدعو لمليكه العظيم الجواد بدوام العز والتوفيق والإقبال، مؤكدا إخلاصه في عبوديته وصدقه في خدمته إلى أن يسيطر «الحق» ويهزم «الباطل»، ويتميز «أبناء الحلال عن أبناء الحرام» إلى أن قال: يعلم مولاي صاحب الجلالة أن مثلي لا يطمع بمتاع الدنيا، وإنما يقصد وجه ربه، وبما أن عطاء الملوك لا يرد، أسترحم من السدة الملوكية أن تسمح لي باستمرار السكنى في بيتي المتواضع، على أن أتخذ القصر، وقد تفضل به صاحب الجلالة للاجتماع بأركان الدولة وبالناس، ولعقد المجالس التي تقتضيها الحاجة في إتمام صنع التاج، وأرجو أن يوافق مولاي على أن تدفع الأموال لمن أحتاج لإعانتهم ببيان تتفضلون بالموافقة عليه حتى لا أمس بيدي ما يتورع النساك الزاهدون عن الاغترار به من حطام الدنيا وأموالها، ولا بد لي من التأكيد بأن هذا التاج إنما يأتي بمواده، بقوة الأرواح الأرضية والسماوية، شياطين الوهم من كنوز ملوك الجان، ولولا ما يستلزمه هذا السحر من نفقات لما ذكرت المال على لساني. وهنا رفع رأسه إلى السماء مناجيا ربه، وهو يهدر قائلا: اللهم غفرانك.
أفعمت نفس الملك إعجابا بالأستاذ الساحر، وهو لا يزال يأتيه بالدليل تلو الدليل على تقاه وورعه، وعلى صلته بربه وإخلاصه لمليكه، فأكد له الملك بأنه يطلق له التصرف باستخدام المال لمشروعه على الوجه الذي يراه موافقا دون أن يحتاج للموافقة، وأن القصر له يتخذه لما يفضل من أعمال، ولكن لا يسمح له بأن يمتنع عن تناول الغداء.
الساحر :
Bog aan la aqoon