إنها تعاليم ذلك الفيلسوف يا مولاي، وهو القائد الخفي لهذه الثورة على جلالتكم.
وزير الميسرة :
لتكن تعاليم ذلك الفيلسوف أو تعاليم غيره، وربما كانت في النفوس ثورة، ولكنها ثورة عليكم، أنتم الذين أرهقتم الشعب، وليست على جلالة مليك البلاد، إنها ثورة الشعب، فاحذروها واتقوها، وهي للملك وللمملكة لا عليهما، إن الشعب لا يزال يحب مليكه، ونحن جميعا نفتديه بأرواحنا ومهجنا، فلا تفسدوا ما بين الملك ورعيته، اتقوا الله، وارحموا هذه الأمة، ولا تفسدوا عليها أمرها يحفظكم الله، ويحفظ الملك وشعبه من غدرات الزمان، وما بلغ النقاش في مجلس الدولة هذا الحد حتى أبلغ المجتمعون خبر الشابين، فعاد للمجلس صمته الرهيب، فالخبر كان حجة قوية بجانب وزير الميسرة تؤيده في جميع أقواله .
دهش المجلس، وشده وزير الميمنة، فالمفاجأة كانت شديدة التأثير في النفوس، ولكن أنى لوزير الميمنة، وهو الذكي الحصيف أن يعدم تعليلا يقوي به حجته، فقال: إنهما مجنونان من أتباع ذلك الفيلسوف المشعوذ، فهل تسقطون من حسابكم هتاف ذلك الشعب الطيب الأمين لذلك الأستاذ الجليل، تذكر الملك كلمات الأستاذ الجليل عن الحرية في العدالة وعن المؤامرة، وتذكر شذبه لطريقة التجسس، فازدادت به ثقته ورأى أن يترك أمر البت في الأمر إلى أن يجتمع به في صبيحة الغد، وأعلن عن ذلك في قوله: إن الأستاذ الجليل يؤيد الحرية ويشذب التجسس، وهو يرى رأي وزير الميسرة من وجود مؤامرة على العرش والمملكة.
نزلت هذه الكلمات نزول الصاعقة على دماغ وزير الميمنة، فاصفر وجهه، وخاف عاقبة الأمر، وصدق فيه قول القائل: ... ... ... ...
كاد المريب أن يقول خذوني
أدرك الملك، ولم يكن بالغبي، وقد أيقظه الوضع وملابساته وأراد إنقاذ الموقف فقال: إنني أثق بكم جميعا، وأعتقد أن اختلافكم إنما هو في مصلحة المملكة، ويعبر عن حرصكم على كرامة العرش وقوته، والخطأ لا يعني الخيانة، سأدرس القضية، وأتدبر الأمر بحكمة وروية، وآمل أن تعاونوني بتفكيركم وإخلاصكم، ولا أرتاب فيهما، فإلى الغد في مثل هذا الوقت.
فوقفوا جميعا، وقالوا بصوت واحد: حفظ الله الملك العظيم وأدام توفيقه. ثم انصرفوا، وفي كل نفس هواجسها.
الفصل الحادي عشر
قال الراوي: «إن العرش في خطر.» كلمة ملأت أذني الملك ورأسه وقلبه، وكانت لا تزال تدوي في صماخي أذنيه، ويهتز لها جميع كيانه، ولشدة ما أصابه من اضطراب وهلع، تحمل كثيرا في إخفائها في المجلس، كان يشعر بأن صوت وزير الميسرة ما زال يسمعه هذه العبارة الرهيبة القاسية، إن رنين ذلك الصوت ما فتئ داويا في تلافيف دماغه يرافق هزات قلبه، وينسجم في دوي الصماخين مع جرس خفي، كان يشتد بروزه في بصيرته، حتى أصبحت عبارة الوزير: «إن العرش في خطر» تتردد وتتكرر في نفسه دون انقطاع، وبإيقاع النذير الحكيم، إنها الخلوة تسيطر فيها على المرء هواجسه، وما أطل الحاجب بعد انصراف الأعضاء من القصر، حتى أشار إليه بالانصراف آمرا بأن لا يستأذن لأحد، وأن لا يفتح الباب إلا إذا دعاه، إنه قوي الشكيمة، إنه ملك، فمن العار أن يستنجد بأحد.
Bog aan la aqoon