أما هنا فغرضنا عملي قريب، لا يضيره الإغضاء عن هذا المنهج، ولا يفسده التزام أصوله التي أشرنا إليها، راجين مع هذا الاحترام والالتزام أن نزيح صعوبات ذاتية يعرض لها متعلم العربية في كل دور من أدوار هذا التعلم، وإن كنا سنعنى هنا بغير المتخصصين في علومها المتفرغين لها، تاركين أولئك المتخصصين يعانون تلك الصعوبات إلى أن يكون القول في المنهج قولا علميا تاريخيا، يتم به التغيير البطيء لهذا المنهج إن واتت عليه الحياة العامة والخاصة، فيغير إذ ذاك أصحاب العربية المختصون بها من أسس مقرراتها وأصول دراستها بقدر ما يستطيعون من ذلك التغيير.
أما الآن، فالحديث عن متكلمي العربية ومتعلميها كافة. •••
ونؤثر قبل أن نعرض لما نريده من غرض عملي أن نصف في إجمال موجز المحاولات التي بذلت في سبيل إزالة تلك الصعوبات، لنهتدي بالنافع منها، ونتقي ما ينقصها فيما نبتغيه.
وتبدأ المحاولات لتذليل صعوبة تعلم العربية واستعمالها، مع النهضة الشرقية الحديثة، ولعلها في مصر تظهر مع «محمد علي باشا»، ولعل أصحاب هذا العهد وما تلاه لم يضعوا مسألة اللغة موضع الدرس النظري والتدبير، بل سلكوا فيه خطوات عملية ذللوا بها ما واجههم، ودفعوا اللغة إلى الاستجابة لمطالب النهضة العلمية والحربية والصناعية التي ظهرت في الوادي، فأحيوا ألفاظا وأساليب واصطلاحات، وحاولوا من ذلك ما حاولوا حتى أخرجوا ذلك النتاج القيم في الميادين المختلفة، عربي الصورة إلى الحد الذي استطاعوه، مع مزاحمة التركية لها، وجمود العربية نفسها إذ ذاك.
ثم صارت مسألة اللغة موضع البحث والتدبير في مثل محاولة علي مبارك باشا إنشاء مدرسة خاصة بهذا لتهيئ معلمين للغة غير الذين كانت تعرفهم من الأزهر، ومنذ ذلك العهد عملت المعاهد التي أنشئت حول الأزهر، ولا سيما دار العلوم، على تذليل صعوبات العربية، وربما كانت الصعوبات الخارجية أو الشكلية أكثر ما وجهت العناية إليه، أو ما سمح بتوجيه العناية إليه وتناوله بالتغيير، فأصلحت طريقة تعليمها مثلا، واستعين فيها بما ترشد إليه أساليب التربية الحديثة قدر المستطاع، ووضع الكتاب الأقرب مأخذا، والأصلح شكلا في عرض قواعد اللغة، فأزاحت تلك الأعمال شيئا من الصعوبات، ولكن ظل صراخ الشاكين يرتفع في كل مناسبة، كما ظلت قواعد النحو نفسها في جوهرها وصورتها على ما كانت عليه في الكتب الأولى، وكما أسست على أصولها الأولى، فيما اتخذه النحاة منها، نقلا عن أصول الفقه، أو تأثرا بغير ذلك من مؤثرات وجهتهم في صنيعهم، بقيت تلك جميعا لم يفكر أحد في أن يمسها أو ينال منها شيئا ما قليلا أو كثيرا.
ثم عمل الزمن عمله، وتأثرت الحياة اللغوية بما حولها من مؤثرات التجدد، فجعلنا نسمع الكلام عن قواعد النحو نفسها وعمل النحاة فيها، ومنهجهم في ذلك، وجعل الدارسون ينظرون إليها بعين ناقدة، لا تغضي أمامه إجلالا ولا هيبة، وجعل يرتفع الصوت بذلك، فيما سمعنا من عناوين مثل: إحواء النحو، وتيسير النحو، وما أشبه ذلك، مما نحاول أن نصفه قبل الإشارة بشيء غيره، انتفاعا بما فيه كما قلنا، واتقاء لما نقصه، فلم يحقق الرغبة الملحة في تذليل العربية وتطويعها للحياة والاستعمال. (8) في تيسير النحو
فأما إحياء النحو، فما نحتاج إلى الوقوف عنده لأن صاحبه - أكرمه الله - قد صار فيما بعد سادس خمسة كلفوا رسميا تيسير النحو، فجاء في ذلك بكل ما استطاع أن يكون له أثر عملي يذلل من قسوة هذا النحو، فنظرنا في هذا التيسير يغني عن القول فيما قبله.
وقد كان هذا التيسير عملا مرجو النجاح، إذ أتيحت له المعونة الحكومية والقوة الرسمية، فصدر قرار وزاري سجل الشكوى من هذه الصعوبة، وقال:
بما أن الوزارة سبق لها أن عملت على تبسيط قواعد النحو والصرف والبلاغة، فيما أخرجت من الكتب، وكان لهذا العمل نتيجة مرضية، وبما أن هذه الخطوة التي خطتها الوزارة في الماضي لم تكن كافية؛ إذ إنه لوحظ أن صعوبة قواعد النحو والصرف والبلاغة لا تزال قائمة، وأن المعلمين والمتعلمين يبذلون جهدا كبيرا ووقتا طويلا في تعليمها وتعلمها، ولا يصلون بعد هذا كله إلى نتائج تتفق مع ما يصرف من زمن وجهد.
وحدد هذا القرار الوزاري مهمة اللجنة
Bog aan la aqoon