Tani waa Wax Walba
هذا هو كل شيء: قصائد من برشت
Noocyada
والذي كتبها،
قد سقط صريعا.
هي الحقيقة كتبت سرا على حائط. الطغاة الذين حكموا على الشعب بالطاعة، لم يستطيعوا أن يسلبوه القدرة على المقاومة، «هم يريدون الحرب» ولكن الحرب قد وقعت فعلا. والذي أراد المأساة قد صرعته المأساة، والذي أراد أن يكون قدرا لم يستطيع أن يفلت من القدر. لقد بدا في وقت من الأوقات كأن كل شيء يسير بمشيئة الحاكمين، وكأن الأمل قد اختفى إلى غير عودة. ولكن ها هي الكتابة على الحائط تكذب المتجبرين كما تكذب اليائسين: «هم يريدون الحرب» كتبها بالطباشير رجل مجهول، مضطهد، مهان. والحقيقة وجدت، على الرغم من كل شيء، من يقولها. وستجد دائما من يعلنها، ولو بكتابة بالطباشير، على جدار قديم ووحيد. لقد استطاع الشاعر أن يستبعد مئات التفاصيل ليبرز الواقع المعقد في أبسط إطار. وما أصعب الوصول إلى السهل، وما أعقد الطريق الذي يؤدي إلى البسيط!
ما من تعبير غامض، أو حالم، أو مغلف بالسحاب أو الضباب، بل وضوح قاس عنيد، ودقة موضوعية لا يمكن أن يساء فهمها، وكلمات كالسيف لا يمكن أن تحمل معنيين. إنها أكثر واقعية من الواقع؛ لأنها لا تزيفه ولا تعميه، ولا تحاول أن تعكسه في غباء كما يفعل معظم الذين يسمون أنفسهم بالواقعيين، بل ترشحه وتشف عن جوهره، وتستبعد العرضي لتستخلص الضروري. إن الشعر يعبر الآن عن واقع شفاف تتخلله أشعة المعرفة والفهم والذوق. ولكن هذه الشفافية لا تبلغ أبدا مبلغ التجريد، بل تركز الواقع نفسه، وتصور الموضوع في صورة بسيطة تذكرنا ببساطة الشعر الصيني الذي يصل إلى أقصى حد من الإيجاز والواقعية في آن واحد، ويضع المضمون الهائل العظيم في الشكل الرقيق الرشيق.
ومع أن هذا الشعر يخلو من النبرة الخطابية والعاطفية، ففيه مع ذلك من إيقاع الموسيقى الباطنية ما لا يقل عما في شعر جوته أو رلكه، وإن كان يزيد عليهما بمقدار ما فيه من العقل والخبث والذكاء. ولعل هذا هو الذي يفاجئ القارئ ويستفزه حين يطلع عليه لأول مرة. لقد كان ينتظر الشاعر الساذج البريء الذي تعود عليه، فإذا به يصدم بالشاعر الماكر الشرس الذكي، ويرى صورة جديدة للشاعر الحكيم الذي لا يجتر الماضي بل يصنع المستقبل! •••
ذلك هو «برشت المسكين»، الابن الضائع للبرجوازية، الشاعر الذي قضى حياته في محاربة الحرب، ومعاداة البربرية، والوقوف إلى جانب الكادحين، يلبس سترة العمال بغير رباط عنق، ويحيا حياة التقشف في المنفى، ويغير بلدا ببلد كما يغير المرء حذاء بحذاء، ويمزج في قصائده ومسرحياته أنين العدمي الحزين، بديناميت الثوري العنيد. إنه في تراث بلاده شيء صارخ جديد، ليس للمجتمع الأدبي به عهد؛ فليس فيه شيء من ترفع ستيفان جئورجه، أو رقة هوفمنستال، أو سحر رلكه، أو جلال توماس مان. في هذا المجتمع الأدبي الذي ما زالت تحدده شخصية جوته المترفعة الطاغية، أصبح برشت هو الشخصية المضادة التي قدر لها أن تحول مجرى الفكر والشعر وجهة لم يألفها من قبل.
إن برشت يثير السخط عليه حيثما ذهب. فالبعض ساخطون عليه لارتمائه في أحضان الماركسية والبعض ساخط عليه لأنه «منشق» ولم يكن ماركسيا كما يريد له الحزب، والبعض الآخر غاضب عليه لأن سياسته دمرت موهبته. أما الشاعر نفسه فيقف بعيدا، يبتسم ابتسامة الحكيم الصيني كأنه يقول ما قاله عن نفسه في إحدى قصائده: أيا كان الذي تبحثون عنه، فأنا لست هو!
وإذا كان السخط يدل على شيء فإنما يدل على أن الجميع يأخذونه مأخذ الجد، وأنه وإن صدمهم وأثار ثائرتهم فلأنه يملك إعجابهم في كل الأحوال.
لقد اختلفت وظيفة الكلمة، وأصبحت وظيفة الشاعر الجديدة صدى لوضعه الجديد في المجتمع. لم يعد للشاعر الحق في أن يعبر عن عواطفه الشخصية، بل عن مشكلات المجتمع. والفكرة الرومانسية عن الخلق الفردي قد أصبحت في رأيه خطأ كبيرا. فتقسيم العمل في المجتمع الحديث قد غير من طبيعة الخلق الفني وحوله إلى عملية جماعية، الهدف منها هو تغيير الظروف الاجتماعية. إنه يتحدث عن الشاعر البرجوازي الذي يريد له أن ينقرض فيقول:
هنالك يتكلم من لا يستمع إليه أحد.
Bog aan la aqoon