Tani waa Wax Walba
هذا هو كل شيء: قصائد من برشت
Noocyada
قصائد من برشت
تأليف
برتولد برشت
جمع وترجمة
عبد الغفار مكاوي
مقدمة الطبعة الثانية
يحتفل العالم في هذا العام (1998م) بالذكرى المئوية لميلاد برتولت برشت (ولد في مدينة أوجسبرج من منطقة شفابن بجنوب ألمانيا في العاشر من شهر فبراير سنة 1898م، ومات في مدينة برلين - الشرقية سابقا - إثر أزمة قلبية مفاجئة في الرابع عشر من شهر أغسطس سنة 1956م) وهو الشاعر، وكاتب المسرحية والأوبرا والفيلم السينمائي، والقصاص والروائي والمخرج والمنظر للمسرح الملحمي، والمناضل الاشتراكي ضد البربرية النازية وتجار الحروب، وفي سبيل العقل والحرية والسلام والأخوة البشرية، وصنع عالم جديد يتوقف فيه الاستغلال والاضطهاد والفقر والجوع والظلم والاغتراب ...
ولقد تصادف أن كان كاتب هذه السطور - على مبلغ علمه على الأقل! هو أول من قدمه إلى العربية بترجمة إحدى مسرحياته التعليمية - وهي الاستثناء والقاعدة - عن الفرنسية في سنة 1956م (نشرت آنذاك في مجلة الهدف قبل نشرها مع تمثيليته الإذاعية التي حولها إلى أوبرا، وهي محاكمة لوكولوس، في أوائل الستينيات)، وتقديم عدد من قصائده المشهورة سنة 1958م في مجلة المجلة (وكان يرأس تحريرها في ذلك الحين السندباد البحري والمصري العظيم المرحوم الدكتور حسين فوزي) وأضيف إليها بعد ذلك عدد آخر من عيون قصائده التي بلغت ما يقرب من ثمانين قصيدة صدرت في كتاب مستقل (قصائد من برخت، دار الكاتب العربي، 1967م)، ثم بعض مسرحياته (بعل، السيد بونتيلا وتابعه ماتي ، قائل نعم وقائل لا) التي كان آخرها هي أوبرا صعود وسقوط مدينة مهاجوني في ترجمة شعرية حديثة (تحت الطبع في المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة) وقد شعر الكاتب أن من واجبه، بعد هذه الجهود المتواضعة وعلى ضوء تلك الواقعة التاريخية التي لا يعلق عليها أية أهمية؛ لأنها كانت وليدة الصدفة المحضة كما ذكر قبل قليل، ثم على ضوء اهتمامه بمسرح برشت وتأثره به بصور مختلفة في عدد غير قليل من مسرحياته الطويلة والقصيرة، أقول إنه شعر أن من واجبه أن يشارك في الاحتفال بذكرى هذا الرجل الذي كان شعره ومسرحه - كما قال بحق ناشر أعماله وصديقه بيتر زور كامب - تاريخا فنيا لبلاده وجراحها الأليمة منذ عام 1918م إلى عام وفاته، والذي يقترن اسمه باسم أكبر شعراء بلاده (وهو جوته (1749-1832م)) من ناحية شهرتهما، وقوة تأثيرهما وتوهج إشعاعهما خارج حدود بلادهما أكثر من أي شاعر أو كاتب آخر من أبناء وطنهما، والذي تحتم تطورات الأحداث في هذا القرن العشرين الذي أوشكت شمسه على الأفول - لا سيما بعد الانهيار المدوي للتطبيق الاشتراكي وبعد تحقيق الوحدة الألمانية التي كان الشاعر نفسه يحلم بها ويعمل لها - ضرورة قراءته من جديد، والتعلم من واقعيته وعقلانيته وحكمته وكفاحه المستمر ومعاناته الطويلة في المنفى، ودفاعه الصامد عن الحقيقة والصدق في التعبير عن الواقع المتغير، وعن حقوق الرجل العادي أو الرجل الصغير الذي طالما وقع خلال التاريخ البشري ضحية الخداع والكذب والتزييف وتغييب العقل بالدعاوى الضخمة والباطلة، بجانب إحساسه المتزايد في أواخر عمره بمرارة الإحباط والعدمية والخيبة، دون التخلي أبدا حتى آخر نفس في صدره عن الإيمان بالجديد، والتمسك براية الأمل في مستقبل أفضل للإنسان والأرض والعالم «الذي يحتاج للتغيير» حتى يستقر فيه العدل والعقل والمودة والسعادة لجميع البشر ...
ولقد شعر كاتب السطور أيضا بأن مشاركته في الاحتفال بذكرى الشاعر تعبر في نفس الوقت عن الامتنان والعرفان الذي يحمله له، كذلك عدد كبير من إخوانه الشعراء والكتاب العرب الذين تأثروا به بصور متفاوتة (ومن أهمهم: سعد الله ونوس، ومحمود دياب، ونجيب سرور، وعبد الرحمن الشرقاوي، وصلاح عبد الصبور - رحمهم الله - وألفريد فرج، ووليد إخلاصي، وفرحان بلبل، ويوسف العاني - مد الله في عمرهم - بجانب أسماء كريمة أخرى لعدد كبير من النقاد والباحثين والدارسين والمترجمين النابهين الذين لا يتسع هذا المجال المحدود لذكر أسمائهم وأعمالهم وجهودهم الطيبة، أو الوفاء بواجب الشكر والتقدير لهم، مثل الإخوة: نبيل حفار، وأحمد الحمو، وفاروق عبد الوهاب، ووجيه سمعان، ومحمد العيتاني، ونسيم مجلي، وكامل يوسف حسين، وأحمد كمال زكي، وجميل نصيف التكريني، وأحمد عتمان، ومنى أبو سنة).
ترك برشت وراءه تراثا ضخما يستوعب كل الأشكال الأدبية الممكنة: خمسين مسرحية، أكثر من ألفي قصيدة، كتابات نثرية متنوعة، وشروح نظرية مستفيضة لنظريته عن المسرح الملحمي وآرائه وتجاربه مع الإخراج والتمثيل والإلقاء والديكور والإضاءة والموسيقى، وسائر اللوازم المدعمة لذلك المسرح «الجدلي» الذي وضعه في مواجهة المسرح التقليدي أو «الأرسطي». وقد حقق في هذه المجالات الملحمية والشعرية الغنائية والدرامية إنجازات أثارت أسئلة وإشكالات كثيرة وأثرت تأثيرا كبيرا على ثلاثة أجيال من بعده. والنثر الذي كتبه يضم الرواية (كالقروش الثلاثة، وأعمال السيد يوليوس قيصر) والأقصوصة، والقصة القصيرة - التي تبالغ أحيانا في القصر حتى تتخذ شكل الطرفة أو النكتة، والحكمة المركزة المكثفة - كما نجد في القصص التي أطلق عليها تسمية مأثورة، وهي قصص النتيجة السنوية، أو في قصصه الرائعة عن السيد كوينر التي بدأها سنة 1926م وكتب آخر قصة فيها سنة 1956م ووصل عددها إلى تسع وثمانين قصة لا يزيد بعضها عن جمل قليلة أو حكم تعليمية لاذعة! وكثيرا ما تتجلى هذه الأعمال النثرية في صورة الحكاية الشعبية الخرافية، أو قصص الخوارق وقصص الأبطال، أو ترتدي بعض الأشكال التقليدية كالقصة الرعوية أو الملحمة أو الخرافة على لسان الحيوان أو الأمثولة أو المثل، مع الاستفادة والاقتباس من كل الآداب والأدباء على اختلاف البلاد والعصور والثقافات دون أي تحرج من أخذ مادته من أي مصدر، وصوغها وتفسيرها بأي طريقة تلائم موضوعاته وأغراضه، أو معارضتها والسخرية منها، كما فعل مع بعض آثار عدد من الشعراء الكلاسيكيين،
Bog aan la aqoon