Casrigan: Hordhac Kooban
الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
أوسكار شليمر في عام 1925 عن حركة الباوهاوس من فايمار إلى ديساو
التعاون الحداثي
في جميع الحقب الزمنية، يميل الفنانون الكبار لمعرفة أحدهم الآخر، وتعاونهم (أو تنافسهم، كما في حالة بابلو بيكاسو وهنري ماتيس) يتأتى من منطلق «ما الذي يجري؟» وهذا المنطلق يمكن أن يتجاوز ذلك الخاص بأي حركة فنية مقيدة ببيان مبادئ . وربما كان كلود ديبوسي هو أول شخص يسمع «طقوس الربيع»، بالجلوس إلى البيانو لعزفها مع ملحنها، الذي كان أيضا صديقا لموريس رافل، وإريك ساتيه، وجان كوكتو، وأندريه جيد، وبول كلاودل، وبول فاليري، وبابلو بيكاسو، وفرناند ليجيه، وأندريه ديرين. وكان بيكاسو، شأنه شأن سترافينسكي، على معرفة وثيقة بالحركة الطليعية الباريسية في جميع الفنون، منذ تصميمه البارع لغلاف مقطوعة سترافينسكي «راجتايم»، الذي أتى من خلال توصية بليز سندرار لدار نشر «إيسيون دي لا سيرين»، وتصميماته لباليه «العرض» لساتيه، الذي أنتجه سيرجيه ديجليف. وغالبا ما تستقى معلومات عن تطور الفن في السير الذاتية أكثر من تلك المستقاة من البيانات أو دعاية النقاد؛ فالتفاعلات العملية المثيرة للأنظار بين سترافينسكي، ورافل، وساتيه، وليون باكست، وألكسندر بينوا، وماتيس، وبيكاسو، وكوكتو، وجيد، وكثيرين آخرين داخل فرقة الباليه الروسي، هي التي أدت للأعمال ذات الطابع الطليعي الواضح، مثل: «طقوس الربيع» و«العرض»، وكذا لأعمال أكثر تقليدية في الفكرة، ولكنها تظل حداثية أسلوبا، مثل: «الكرنفال» المأخوذة عن شومان، أو «الغزلان» لفرانسيس بولانك. وقد كانت فرقة الباليه الروسي من أماكن التجمعات الحداثية البارزة، لا سيما لقدرة ديجليف الفريدة على حث الفنانين الطليعيين على العمل معا.
هذا النوع من التعاون بين الفنانين، وكذلك التعاون الذي قام بين مجموعة بروك للرسامين التعبيريين (إرنست لودفيج كيرشنر، وإيريش هيكل، وماكس بيشتاين وآخرين) أو بين شونبرج وآلبان بيرج وأنطون ويبرن، الذين عملوا جميعا معا بود وصداقة خالصة، هو الذي منحهم، ومنحنا أيضا، معنى «الحركة الحداثية» كنزعة عامة في ذلك العصر، مثلما حدث عندما قرأ باوند وإليوت الحلقات الأولى من رواية جويس «يوليسيس» في النسخة المطبوعة، وأدركا أن التوازيات بين الماضي والحاضر يمكن أن تتاح من خلال الإشارة الضمنية، وبعدها كتبا «الأناشيد» و«جيرونشن» و«الأرض الخراب». ويمكن قراءة مقاله «التقليد والموهبة الفردية» (1919)، بما يحمله من تأييد لوجود وعي لدى المؤلف بأن «كل الأدب في أوروبا بدءا من هوميروس، وفي القلب منه كل أدب بلاده، له وجود متزامن، ويشكل نظاما متزامنا» كتبرير لأعمال المؤلفين الثلاثة في هذا الوقت. ومع ذلك، فغالبا ما تترك لنا مهمة استنتاج النوايا الفنية؛ لأن الحداثيين العظماء لم يكونوا دائما يشرحون أفكارهم أو يكتبون بيانات؛ فقد ابتكر بيكاسو وبراك الحركة التكعيبية دون أن ينبسا بكلمة واحدة توضيحية عنها؛ فقط اكتفيا بمشاهدة ومناقشة النشاط العملي أحدهما للآخر في الاستديو. ويمكننا فقط استنتاج ما طرأ عليهما من «تطور» في الفترة من عام 1907 إلى 1915 من التكعيبية «التحليلية»، والتي تعنى في الأساس بتشويه هندسي وعر لجسم الشيء من وجهات عديدة، في نوع من الوحدة اللونية، مع وجود دلائل قليلة للغاية على اللون المحلي (بحيث يمكن أن يبدو رأس في لوحة وكأنه منظر طبيعي لصخور) نحو تكعيبية «تركيبية» أكثر استيعابا، وتستخدم ألوانا أكثر بكثير، وأشكالا هندسية أكثر تسطحا، ويمكن أن تبدو كعناصر مجمعة على سطح لوحة من قماش القنب.
حتى الأشكال الأكثر إثارة على مستوى الوعي الذاتي والمستوى السياسي من الاستفزاز الفني، مثل «بيانات الحركة المستقبلية» العديدة (عن الرسم، والموسيقى، والرغبة، وما إلى ذلك) غالبا ما لا تعدو كونها مجرد تحالفات مؤقتة بين الفن والفكرة. وقد كان المستقبليون والدادائيون، على الجانب الآخر، يسيرون على نفس نمط هؤلاء الذين كانوا يفضلون العمل في إطار اتجاه نظري متشدق، كان يدعي أنه «طليعي» من خلال انتشار الأفكار الثورية. ثمة تطورات أخرى في البيانات كانت أكثر توجها نحو الجانب الفني؛ ومن ثم يقوم باوند بدفع إف إس فلينت لكتابة بيان للشعر التصويري يؤيد «المعالجة المباشرة «للشيء»، سواء كانت موضوعية أم ذاتية»، والتركيب «في تسلسل الجملة الموسيقية»، وما إلى ذلك.
مفاهيم التطور: الفن والتجريد
كانت مثل هذه الأفكار في غاية الأهمية بالنسبة للحداثة كحركة فنية منغمسة في حقبة من حقب التغير الفكري الكبير. وهكذا لا يكون هناك غرابة في أن أصبحت الأفكار الخاصة بالتطور «الضروري» للفن جزءا مهما من الحركة في العموم؛ وكان هذا يعني أن التفسير النقدي كان لازما تماما مثل البيانات. ومن الأمثلة الجيدة على نوعية التغير الحداثي التي كانت بحاجة إلى تفسير وشرح نمو التجريد في الرسم، والذي انطوى على هدم لتقاليد واقعية القرن التاسع عشر، من أجل صناعة فن حداثي يرفض أي أهداف نحو التحلي بشفافية خانعة، حتى وإن كانت عبقرية، تجاه العالم. ولذلك أصر على وجود وعي المشاهد بالتقاليد الخاصة بالعمل الفني، ومن ثم جلب علاقة إيحائية أكثر انحرافا بكثير تربط العمل بالعالم.
كان هناك تطوران أساسيان؛ الأول، كما لاحظنا بالفعل، هو تحرر الرسم من تجسيد «اللون المحلي الحقيقي»، والذي أتاح للون الخالص خلق تأثيراته العاطفية الخاصة، كما في أعمال فان جوخ الأخيرة، وأعمال ماتيس. وقد كان لذلك أهمية بالغة على نحو خاص بالنسبة لكاندينسكي، الذي كان يرى أن:
لون الزنجفر يجذب ويهيج كشعلة لهب يركز عليها رجل نظرته الجائعة؛ فلون أصفر ليموني متوهج يسبب ألما بعد فترة، تماما مثلما تؤلم النغمات العالية للبوق الأذن؛ فتزداد العين تهيجا، ولا تستطيع تحمل الأثر لفترة طويلة للغاية، وتبحث عن سلام عميق في الأزرق أو الأخضر.
ومع هذا التطور، سار تطور آخر أكثر تأثيرا، يتمثل في ظهور إدراك متصاعد بقيمة تبسيط الشيء في الرسم. ويوضح ديسموند ماكارثي هذا في تمهيده لكتالوج معرض لندن لفن ما بعد الانطباعية عام 1910، باستخدام استعارة مجازية موسيقية (توحي أيضا على نحو شبه دائم بأن الرسم، مثل الموسيقى، له لغته «الخاصة»)، فيقول إن:
Bog aan la aqoon