ويدل علم التشريح الحديث على أن أجسام ذوات الحياة مركبة من ملايين الخليات التي تتصف كل واحدة منها بحياة مستقلة متجددة بلا انقطاع، وأن مدة هذه الحياة أقل من مدة حياة الجسم الذي يتركب منها، ويمكن أن يعد أمر العرق مثل ذلك فيقال: إنه مؤلف من ألوف أفراده الذين يتجددون، فلكل من هؤلاء الأفراد حياة خاصة كحياة خلية الجسم الواحد، وللعرق المشتمل عليهم حياة جامعة وأخلاق عامة، فإلى تلك الحياة والأخلاق يجب أن ينظر الباحث في التاريخ.
وحينما يتم وضع علم نفس الأمم المقارن غير الموجود الآن، يمكن الناقد البصير أن يستخلص من الأخلاق الخاصة الأخلاق العامة الصالحة لتصوير المثال الخيالي المتوسط الذي هو عنوان الأمة فيقترب جميع أفرادها منه أو يبتعدون عنه إلى حد ما،
2
فالإنسان ليس ابن أبويه وحدهما، بل هو وارث عرقه أيضا.
ويتألف مثال الأمة المتوسط من اجتماع الأخلاق المشتركة بين أكبر عدد من أفرادها، وتكون الأخلاق المشتركة بين أفراد الأمة كثيرة بنسبة تجانس العناصر التي تتألف منها هذه العناصر، فإذا كانت هذه العناصر متباينة أو قليلة التمازج بدت تلك الأخلاق المشتركة أقل عددا، وإذ كنا نستعير مقايساتنا من التاريخ الطبيعي فإننا نقول: إن الجماعات التي تتألف منها الأمة المتجانسة تقاس بأنواع الجنس الواحد المتماثلة، وإن الجماعات التي تتألف منها الأمة القليلة التمازج تقاس بأنواع الجنس الواحد المختلفة.
ومن ذلك أنك تجد، مثلا، اختلافا كثيرا بين ألف فرنسي وألف إنجليزي في آن واحد، مع أنهم ذوو أخلاق مشتركة يتألف منها مثال فرنسي إنجليزي مشابه للمثال الذي يجده العالم الطبيعي عند وصفه لجنس الكلب أو الفرس، فوصف العالم الطبيعي إذ كان ينطبق على جميع الكلاب والأفراس من حيث أوجه الشبه بينها فإنه لا يشتمل على أوجه الخلاف بينها البتة.
ونحن حين نضع تلك المبادئ الأساسية نصف مختلف عروق الهند، فنتبع في هذا الوصف الوضع الجغرافي لكل واحد من هذه العروق، ونحن بعد أن نصف سكان أقطار الهند نخصص فصلا خاصا للبحث فيما أسفر عنه التوالد وتشابه البيئات والنظم والمعتقدات من الأخلاق المشتركة بين شعوب الهند المختلفة. (3) تكوين عروق الهند: تقسيماتها الأساسية
لم يمض سوى وقت قصير على الزمن الذي كانت الهند تعد فيه بلدا واحدا ذا صفات عامة واحدة، وعرق واحد، وديانة واحدة، وحضارة واحدة، وفنون واحدة ثابتة غير متقلبة منذ قرون.
فرأي فاسد مثل هذا لا يقبل في هذا الأيام، فقد أوضحنا في فصل «البيئات» أن الهند ذات مناظر متنوعة وأجواء متباينة ومعايش مختلفة، فالناس في الهند متغايرون أجناسا ومبادئ وطبائع وأخلاقا وتمدنا تغاير البيئات التي تكتنفهم، فإذا قلنا إن الهند، بتخالفها ، خلاصة الدنيا، فإننا نقول، أيضا، إن سكان الهند خلاصة آدميي أدوار التاريخ المتعاقبة لما نرى فيهم من تفاوت.
يبدو البشر في الهند ذوي أمثلة متباينة، ففي الهند تجد شعوبا بيضا بياض الأوربيين بجانب المتوحشين السود، وفي الهند تستطيع أن تدرس صفحات تطور العالم سائرا من طور الهمجية الأولى البادية في بعض مناطق الهند الوسطى الجبلية إلى طور الحضارة الزاهرة البادية في المدن الزاهية الراقية القائمة على ضفاف الغنج، فإلى دقائق الزمن الحديث التي أدخلها إليها آخر الفاتحين.
Bog aan la aqoon