194

Dhaqamada Hindiya

حضارات الهند

Noocyada

مذهب البدهية دون مؤخرا، ولم يستمع الشعب إليه قط، وكل ما سمعه الشعب هو نداء الأمل والمحبة الذي رددت سماؤه صداه فلباه بروحه من فوره.

ومن الأسباب التي أدت إلى انتشار البدهية ما هو مادي أيضا، فقد كان يتألف من قسم الهند الشمالي المعروف بالهندوستان دولة واحدة قبل الميلاد بقرنين ونصف قرن، وكان أشوكا ملك هذه الدولة، وكان اعتناق الملك لدين يكفي لازدهار هذا الدين وانتشاره.

ذلك ما اتفق للنصرانية في الدولة الرومانية حينما انتحلها قسطنطين، فأصاب كثير من المؤلفين في تسمية أشوكا بقسطنطين الهند البدهي.

وما انتهى إلينا من الوثائق الثمينة التي تركها أشوكا، أي الكتابات المنقوشة على أعمدة وصخور في جميع أجزاء دولته الواسعة، يثبت حميته في نصر تلك المبادئ الجديدة، ويثبت أن ما في هذه المبادئ من الناحية الشعبية السائغة ومن الأدب الكريم وروح المحبة أوجب اعتناق الجهال والحكماء والمنبوذين والبراهمة لهما على السواء.

تجد جذور الفلسفة البدهية في المذاهب القديمة المعاصرة للبرهمية الأولى، ولم يبد نموها إلا بعد طويل زمن، ولم يك أثر في بدء الأمر للكنيسة البدهية وما اشتملت عليه بعد حين من المحافل الدينية ومبدأ الاعتراف وذخائر الأولياء وبدهة المؤله، ولم تك أسطورة بدهة آنئذ شائعة، وما كاد أشوكا يذكر اسم ذلك المصلح الكبير إلا مرة أو مرتين، والثورة الوحيدة التي قد يرجع تاريخ حدوثها إلى عهد هذا الملك، أي الثورة الأساسية التي أعان على وقوعها بما أوتي من قوة، هي تطور الأخلاق، والوجه الجديد الذي بدت به واجبات بعض الناس نحو بعض، وزعزعة النير البرهمي الثقيل، وبزوغ دور المحبة العميقة، والحلم الذي جدد العالم الآسيوي الهرم من الأساس.

وأضحت البدهية بالتدريج دينا منظما ثابت الآساس ذا آلهة وشعائر وعبادات وفلسفة، ومن سوء حظ انتصار البدهية النهائي أن عطلت من آلهة فتركت الميدان للآلهة البرهمية كي تعبدها الجماهير وإن لم توص بها، ومن العبث أن وضعت البدهية الآلهة دون الولي أو دون الرجل الذي يصل إلى درجة بدهة، فنشأ عن ذلك أن هصرت الآلهة البدهية واستغرقتها وصهرتها مع البرهمية.

بذلك نفسر السبب في غياب البدهية عن بلاد الهند إلى الأبد مع أن بلاد الهند مهدها، والبدهية هي التي قالت بديانة الهند ورضيت أن تدغم فيها، والبدهية وصلت إلى بقية آسيا مع موكب من الآلهة البرهمية التي لاءمت الخيال وأعانت على انتصارها.

ولا يمكن ديانة كالبدهية أن تكب آلهة سيطرت على الهند أحقابا كبا أبديا، والبدهية هي التي أرادت وضع تلك الآلهة في مرتبة ثانوية من غير أن تجيء بما يقوم مقامها.

ولم تلبث فرق البدهية أن كثرت كما كثرت فرق البرهمية من قبل، وبينما كان يقوم في معابد بدهة إله حددته القصة بالتدريج جعلته بعض الفرق حالا عالية يصير إليها جميع المخلوقات بعد أن تستعد هذه المخلوقات في ألوف من البعوث التي تتم في عصور لا حد لها، وهذه المخلوقات تستطيع، إذ ذاك، أن تكون عامل نجاة لأهل الكون الآخرين، ثم تقيم بنعيم نروانا السرمدي حيث الخاتمة السعيدة المثلى.

وترى الفرق الجديدة أن بدهة شا كيه موني وحده لم يكن رسول الحق في العالم، فسيظهر بدهة ثان وثالث حاملين أنوارا جديدة وقوى جديدة مرشدين إلى أقصر طرق لبلوغ الكمال، بيد أنه لا بد من مرور أحقاب لا تحصى بين ظهور بدهة وبدهة لما يتطلبه تكوين بدهة من زمن طويل لا يتصوره سوى الهندوس ذوي الخيال الخصب الذي لا يقف عند حد، فلا عهد لتصوراتنا الغربية المتواضعة بمثله.

Bog aan la aqoon