إن الخيول العربية، وهي قوية عصبية رشيقة، مفتخرة بعتقها، مختالة في مراتعها، مثال الأناقة في شكلها والكمال في صفاتها، وهي برؤوسها الصغيرة النحيفة، وأحداقها الوهاجة، ومناخيرها الواسعة، وكواهلها الناهضة، وجوانبها الممتلئة القصيرة، وأكفالها الطويلة، وذيولها المتموجة، وقوائمها الدقيقة المتينة عنوان الجمال، وهي بدعتها وبأسها وقناعتها وسرعة عدوها تفضل أحسن الأنواع الأوربية، ويعد الأعراب خمسة أنواع أصيلة للخيل متولدة من خمسة حجور
12
كان يركبها الرسول على زعمهم، وعندما تلد الحجر الأصيلة مهرا يجتمع في المضرب
13
أناس؛ ليكتبوا شهادة عن وصفه واسم أمه ونسبها، ويمضوها ويضعوها في كييس جلدي يربط بنحره، فيدخل بذلك في زمرة الجياد المرموقة التي أدى الطمع فيها إلى اقتتال القبائل غير مرة.
وسرعة عدو الفرس هي التي تنقذ حياة المقاتل في الصحراء غالبا، ومما رواه بركهارد أن فرسانا من الدروز هجموا في سنة 1815 على عصابة من الأعراب في حوران، ودحروها إلى مضاربها، وأحاطوا بها من كل جانب، وأنه لم ينج من القتل منها سوى رجل واحد امتطى صهوة جواده، وخرق خط الحصار، وولى مدبرا ولم يعقب، وأن أحسن فرسانهم، وهم القساة الذين أقسموا أن يقتلوا العصابة على بكرة أبيها جدوا في أثره، وأن ذلك المنهزم لم يترك صخورا وسهولا وتلالا إلا قطعها بسرعة الزوبعة، فلما أيقن أولئك الفرسان، بعد مطاردة عنيفة دامت عدة ساعات، أنه لا أمل لهم في قتله ناشدوه أن يقف؛ ليقبلوا ناصية جواده الأصيل ويتركوه، فرضي بذلك، فقالوا له لما صرفوه كلمتهم المأثورة: «اغسل حوافر جوادك، ثم اشرب غسالتها»، قاصدين بذلك إظهار مشاعرهم نحو جواده النجيب.
وأضيف إلى ما تقدم قولي: إن الخيول العربية لا تعرف سوى مشيتين: الخطاء والعدو، وإن انقيادها لصاحبها جدير بالذكر، وما أكثر ما رأيت العرب يترجلون، وخيولهم لا تحاول الابتعاد عنهم، مع تركهم أعنتها لها!
شكل 1-3: مخيم حجاج بالقرب من مكة في موسم الحج (من صورة فوتوغرافية).
وعلى ما في الخيل من الفائدة لا تتوالد كثيرا في جزيرة العرب خلافا لما يظن، وسبب ذلك: أن الخيل، وهي على عكس الجمل الذي يمكن تربيته في كل مكان، لا تنشأ إلا في البقاع الخصبة، كسهول العراق وسورية، ونجد، وفي نجد وحدها أعز الخيول العربية وأرشقها.
وعرفت جزيرة العرب في القرون القديمة بوفر معادنها الثمينة وأحجارها الكريمة، واليوم لم يبق أثر لذلك، ولا نعلم غير ما يقص علينا من الأنباء عن حديدها ونحاسها، ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نبدي رأيا قاطعا في ثروة جزيرة العرب المعدنية، فمعارفنا بها سطحية.
Bog aan la aqoon