206

Hadarat Carab

حضارة العرب

Noocyada

شكل 2-11: دكان صانع أسلحة عربي في سورية (من صورة فوتوغرافية).

وأعد قصص العجائب التي يتلوها القاصون المحترفون من أهم وسائل التسلية عند العرب، وهؤلاء القاصون منتشرون في أنحاء الشرق، ولهم حظوة كبيرة في كل مكان، ويقص القاصون القصص ارتجالا في بعض الأحيان، ويقتصرون في الغالب على إنشاد قصيدة أو تلاوة قصة من رواية ألف ليلة وليلة، ولا أزال أذكر أنني زرت حيا من أحياء يافا الشعبية ذات ليلة، فشاهدت فيه جمعا عربيا من الحمالين والنواتي والأجراء ... إلخ، يستمعون على نور مصباح إلى قصة عنترة بعناية، فتراني أشك في نيل قاص مثل ذلك النجاح لو أنشد جماعة من فلاحي فرنسة ما تيسر من شعر لامارتين أو شاتوبريان.

وندرك ناحية من أخلاق العرب بما نراه من تأثير القاصين في الجمهور العربي الذي نعلم أنه ذو حيوية مع وقار، وقوة خيال مع تمثيل، والذي يبدو أنه يرى ما يسمع، والذي يبلغ من فرط التأثر ما يظهر أنه يسمعه حقا.

قال أحد السياح صارخا: «لينظر الإنسان إلى أبناء الصحراء أولئك حينما يستمعون إلى قصصهم المفضلة، فهو يرى كيف يضطربون وكيف يهدأون، وكيف تلمع عيونهم في وجوههم السمر، وكيف تنقلب دعتهم إلى غضب وبكاؤهم إلى ضحك، وكيف تقف أنفاسهم ويستردونها، وكيف يقاسمون الأبطال سراءهم وضراءهم، حقا إن تلك لروايات وإن الحاضرين لممثلون أيضا، وحقا إن الشعراء في أوربة، مع نفوذ أشعارهم وسحر بيانهم وجمال وصفهم، لا يؤثرون في نفوس الغربيين الفاترة عشر معشار ما يؤثر به في نفوس سامعيه ذلك القاص الذي هو من الأجلاف، فإذا ما أحيط ببطل الرواية ارتجف السامعون وصرخوا قائلين: «لا! لا! حفظه الله!» وإذا ما كان في حومة الوغى محاربا كتائب أعدائه بسيفه أمسكوا سيوفهم كأنهم يريدون إنجاده، وإذا ما كاد يذهب فريسة الغدر والخيانة قطبوا وصرخوا قائلين: «لعنة الله على الخائنين!»، وإذا ما قضى عليه أعداؤه الكثيرون تأوهوا وقالوا: «تغمده الله برحمته وفسح له في دار السلام!» وإذا ما كان العكس فرجع ظافرا منصورا هتفوا قائلين: «المجد لرب الجند!» ويكون هتافهم وقتما يذكر القاص محاسن الطبيعة ولا سيما الربيع: طيب! طيب!» ولا شيء يعدل السرور الذي يبدو على ملامحهم عندما يصف القاص امرأة جميلة، فتراهم ينصتون له إنصات من يكاد لبه يطير من الوجد، وإذا ما أتم وصفه قائلا: «الحمد لله الذي خلق المرأة! قالوا قول المعجب الشاكر: «الحمد لله الذي خلق المرأة! (6) الرق في الشرق

تثير كلمة «الرق» في نفس الأوربي، القارئ للقصص الأمريكية منذ ثلاثين سنة، صورة أناس يائسين مقرنين في الأصفاد، مقودين بالسياط، رديئي الغذاء، مقيمين بمظلم المحابس.

شكل 2-12: بائعون جائلون في القاهرة (من صورة فوتوغرافية التقطها سباه).

ولا أبحث هنا في صحة صورة الرق هذه عند الأنغلو أمريكيين منذ بضع سنين، ولا في صحة تفكير صاحب رقيق في إيذاء مال غال كالزنجي والقضاء عليه، وإنما الذي أراه صدقا هو أن الرق عند المسلمين غيره عند النصارى فيما مضى، وأن حال الأرقاء، في الشرق أفضل من حال الخدم في أوربة، فالأرقاء في الشرق يؤلفون جزءا من الأسر، ويستطيعون الزواج ببنات سادتهم أحيانا كما رأينا ذلك سابقا، ويقدرون أن يتسنموا أعلى الرتب، وفي الشرق لا يرون في الرق عارا، والرقيق فيه أكثر صلة بسيده من صلة الأجير في بلادنا.

شكل 2-13: كاتب عرائض في القدس (من صورة فوتوغرافية).

قال مسيو أبو: «لا يكاد المسلمون ينظرون إلى الرق بعين الاحتقار، فأمهات سلاطين آل عثمان، وهم زعماء الإسلام المحترمون، من الإماء، ولا يرون في ذلك ما يحط من قدرهم، وكانت أسر المماليك الذين ملكوا مصر زمنا طويلا تلجأ، لتدوم، إلى اشتراء صغار الموالي من القفقاس وتتبناهم في سن البلوغ، وليس من القليل أن يربي أمير مصري أحد صغار الأرقاء، ويعلمه ويدربه، ويزوجه ابنته، ويفوض إليه إدارة شؤونه، وترى في القاهرة أكابر من الوزراء والقادة والقضاة اشتري الواحد منهم في شبابه بما لا يزيد على ألف وخمسمائة فرنك.»

واعترف جميع السياح الذين درسوا الرق في الشرق درسا جديا بأن الضجة المغرضة التي أحدثها حوله بعض الأوربيين لا تقوم على أساس صحيح، وأحسن دليل يقال تأييدا لهذا هو أن الموالي الذين يرغبون في التحرر بمصر ينالونه بإبداء رغبتهم فيه أمام أحد القضاة، وأنهم لا يلجأون إلى حقهم هذا، قال مسيو إيبر مشيرا إلى ذلك: «يجب عد الرقيق في بلاد الإسلام مبخوتا على قدر الإمكان.»

Bog aan la aqoon