وكان قد مضى على وجود الفرنج في فلسطين عشرون سنة حينما توفي بودوان في سنة 1119م، ولم ينشأ عن حكم الفرنج لها سوى خرابها وإقفارها، وكان من نتائج هذا الحكم أن عرفت البلاد نظام الإقطاع كما في أوربة، وأن قسمت إلى الإمارات الإقطاعية المتقاتلة على الدوام: طرابلس وعسقلان ويافا ... إلخ، ولم يلبث طغاتها الصغراء الذين لم يكونوا ليفكروا في غير الاغتناء أن خربوها بعد أن كانت زاهرة أيام الحكم العربي الرشيد، وإليك ما قاله أسقف عكا الصليبي جاك دوڨيتري عن أنباء الصليبيين الأولين، وذلك في تاريخه عن القدس:
خرج من الصليبيين الأولين الأتقياء المتدينين جيل من الفجرة الأشرار الفاسدين المنحلين الفاسقين كما يخرج الثفل من السلاف
2
والدردي
3
من الزيت والشيلم
4
من البر والصدأ من القلز
5 ... وكان هؤلاء الأبناء يختصمون ويقتتلون لأتفه الأسباب، حتى إن بعضهم كان يستعين على بعض بأعداء النصارى في الغالب ... وكان لا يرى منهم في أرض الميعاد غير الزنادقة والملحدين واللصوص والزناة والقتلة والخائنين والمهرجين والرهبان الدعار والراهبات العواهر.
ولم يكن غليوم الصوري أقل صراحة من ذلك، فقد قال، بعد أن وصم أبناء الصليبيين بأنهم «من السفهاء الفاسدين والملاحدة الفاسقين»: «تلك هي رذائلهم الوحشية التي لو أراد كاتب أن يصفها؛ لخرج من طور المؤرخ ليدخل في طور القادح الهاجي.»
Bog aan la aqoon