Hadarat Carab Fi Andalus
حضارة العرب في الأندلس: رسائل تاريخية في قالب خيالي بديع
Noocyada
واستوثق لهم الأمر، ومدت لهم أمم الفرنجة يد الإذعان، أخذوا حسب عادتهم في كل بلاد يفتحونها بنية الإقامة فيها، وإصلاح حال أهليها، في أن يستنقذوا هذه البلاد من تلك الحمأة المنتنة التي كانت مرتطمة فيها أيام حكم الروم، فنشروا في البلاد ألوية العدل، وعمدوا إلى الزراعة فانتعشت بعد صرعتها، وإلى التجارة فهبت من رقدتها، وإلى الصناعة فانتاشوها من وهدتها، ووثب الأهلون وثبة كأنما أنشطوا من عقال، فكثرت الأموال، واغدودقت الخيرات إلى الحد الأقصى، وافتن الناس افتنانهم في ضروب الترف والنعيم واتساع العيش والتأنق فيه، والتلون بأزهى ألوانه، قال الفقيه: أما عدل المسلمين، فإنك لتجد نصارى هذه البلاد لا يكاد المسلمون ينمازون عنهم بشيء، فالجميع يرتعون متبحبحين متحابين، وكل متمتع بعيشته وعقيدته وطقوسه، فللنصارى كنائسهم كما أن للمسلمين مساجدهم، وإذا جاء عيد من الأعياد رأيت أعلام النصارى بجانب أعلام المسلمين. أما علم النصارى فقد صور فيه صليب مذهب في بهرة ساحة حمراء، وعلم المسلمين قد رسم فيه حصن أسود في ساحة خضراء
130
أما نساؤهم فربما رأيتهن اليوم «الأحد» وهن ذاهبات إلى الكنائس وقد تشبهن بنساء المسلمين؛ لأن المغلوب - كما تعلم - مولع دائما بتقليد الغالب، فانتقبن بالنقب الملونة، وانتعلن الأخفاف المذهبة، ولبسن الحرير الموشى بالذهب، والتحفن اللحف الرائقة، وتزين بكل ما يتزين به المسلمات.
131
إن من يدخل الكنيسة يوما
يلق فيها جآذرا وظباء
وليس يطلب من النصارى سوى تلك الإتاوة التافهة المفروضة عليهم لقاء قومة السلطان على الرعية، وهي ديناران يؤديهما غنيهم، ودينار واحد يؤديه صناعهم وأرباب الحرف منهم. أما النساء والأطفال فليس شيء بمفروض عليهم،
132
وهم يقرون بأنهم لم يذوقوا طعم هذا العيش الأخضر إلا على عهد المسلمين، وأما الزراعة فقد شققنا الأنهار، واحتفرنا الجداول، وأقمنا عليها القناطر الحاجزة،
133
Bog aan la aqoon