دمشق هي قصبة الشام، قال ياقوت: «هي جنة الأرض بلا خلاف؛ لحسن عمارة ونضارة بقعتها، وكثرة فاكهتها، ونزاهة رفعتها، وكثرة مياهها.»
وقال أبو بكر الخوارزمي: «ومن خصائص دمشق التي لم أر في بلد آخر مثلها كثرة الأنهار بها، وجريان الماء في قنواتها، فقل أن تمر بحائط - يعني بستانا - إلا والماء يخرج منه في أنبوب إلى حوض يشرب منه ويستقي الوارد والصادر، وما رأيت بها مسجدا ولا مدرسة ولا خانقاه إلا والماء يجري في بركة في صحن هذا المكان ويسيح في منصته، والمساكن بها غزيرة لكثرة أهلها والساكنين وضيق بقعتها. ولا تزال دمشق إلى الآن على هذه الحال.»
وفي دمشق من قبور الصحابة والتابعين وأهل الخير والصلاح ودورهم المشهورة بهم ما ليس في غيرها من البلدان، وهي معروفة للآن، وبعضها يزار في ميدان الحصى قبلي دمشق. قيل إن أكثر مقابر الصحابة والتابعين حرثت وزرعت في أول دولة بني العباس؛ فدرست قبورهم، فلما رأى ذلك أهل دمشق عز عليهم أن تخلو بلادهم من تلك المقابر، فادعوا وجود مقابر غيرهم من الصحابة والتابعين، وليس لهم فيها أثر، وإنما أكثرهم دفن في المدينة المنورة.
فتح المسلمون دمشق في رجب سنة 14ه بعد حصار وطعان، وكان قد نزل على كل باب من أبوابها أمير من أمراء المسلمين، فصدهم خالد بن الوليد من الباب الشرقي حتى افتتحها عنوة، فأسرع أهل البلد إلى أبي عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وكان كل منهم على ربع من الجيش، فسألوهم الأمان، فأمنوهم وفتحوا لهم الباب، فدخل هؤلاء من ثلاثة أبواب بالأمان، وانتهوا إلى نصف كنيسة يوحنا، ودخل خالد بالسيف، فانتهى إلى نصف الكنيسة الآخر، فصنع المسلمون نصف الكنيسة الذي دخلوه عنوة مسجدا، وبقي النصف الذي صالحوا عليه كنيسة، ثم وسع ذلك المسجد بعدئذ عبد الملك بن مروان، أحد ملوك بني أمية، وكان مشهورا بعمارة المساجد بصيرا بها، فأدخل فيه الكنيسة، وعرف من ذلك الحين بمسجد بني أمية.
وابتدأ عبد الملك في عمارته سنة 87، وقيل 88ه، وكان أراد في ذلك الوقت نفسه الزيادة في مسجد المدينة، فكتب إلى عامله عليها وقتئذ، وكان ذلكم الرجل الورع الزاهد عمر بن عبد العزيز، كلمات يأمره فيها بإدخال حجر أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم
إلى المسجد، وأن يشتري ما في مؤخره ونواحيه؛ حتى يكون مائتي ذراع، ويقول له: قدم القبلة إن قدرت، وأنت تقدر لمكان أخوالك، فإنهم لا يخالفونك، فمن أبى منهم فأمر أهل التبصر فليقوموه قيمة عدل، ثم اهدم عليهم وادفع إليهم الثمن؛ فإن لك في ذلك سالف صدق: عمر، وعثمان. فأقرأ القوم الكتاب، فأجابوا إلى الثمن، وأعطاهم إياه، وأمر بهدم بيوت أزواج رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فهدمها، ولم يلبث إلا يسيرا حتى قدم الفعلة، قدمهم الوليد، وبعث الوليد إلى صاحب الروم يخبره أنه أمر بهدم مسجد رسول الله، وأنه يعينه فيه، فبعث إليه بمال وآلات وعمال، فبعث بهم إلى عمر، وتجرد عمر بن عبد العزيز لذلك، واستعمل صالح بن كيسان على ذلك، ولما أمر بهدم بيوت أزواج رسول الله قال: «ما رأيت يوما أكثر باكيا من ذلك اليوم.» وكان فيما دخل المسجد من حجر أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم
Bog aan la aqoon