وقدم رجل من بني مخزوم على عبد الملك بن مروان، وكان زبيريًا، فقال له عبد الملك: أليس الله قد ردك على عقبيك؟ قال: ومن رد إليك يا أمير المؤمنين فقد رد على عقبيه، فسكت عبد الملك، وعلم أن قوله كان خطأ.
ودخل يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج على سليمان بن عبد الملك، فقال له سليمان: على امرئ أجرك رسنك وسلطك على الأمة لعنة الله، أتظن الحجاج استقر في قعر جهنم، أو هو يهوي فيها؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن الحجاج يأتي يوم القيامة بين أبيك وأخيك، فضعه في النار حيث شئت.
ودخل شريك القاضي على المهدي، فقال له الربيع: خنت مال الله، ومال أمير المؤمنين، فقال له شريك: لو كان ذلك لأتاك سهمك.
وقال العبثي، لما أتي بابن هبيرة إلى خالد بن عبد الله القسري، وهو والي العراق، وأتى به مغلولًا مقيدًا، فقال له أيها الأمير: إن القوم الذين أنعموا عليك بهذه النعمة قد أنعموا بها على قبلك، فأنشدك الله أن تستن في سنة يستن بها فيك من بعدك، فأمر به إلى السجن، فأمر ابن هبيرة غلمانه فحفروا تحت الأرض حتى خرج الحفر تحت سريره، ثم خرج منه ليلًا، وقد أعدت له أفراس يداولها حتى أتى مسلمة بن عبد الملك، فاستجار به فأجاره، واستوهبه من هشام بن عبد الملك فوهبه له، فلما قدم خالد بن عبد الله القسري على هشام وجد عنده إبراهيم، فقال له خالد: أبقت إباق العبد، فقال له: حين نمت نومة الأمة.
وتكلم ربيعة يومًا فأكثر، وإلى جانبه أعرابي، فالتفت إليه وقال: ما تعدون البلاغة يا أعرابي؟ قال: قلة الكلام، وإيجاز الصواب، قال: بما تعدون العي؟ قال: ما كنت فيه منذ اليوم فكأنه ألقمه حجرًا.
وقال رجل للأحنف بن قيس: بم سودك قومك، وما أنت بأشرفهم بيتًا، ولا أصبحهم وجهًا، ولا أحسنهم خلقًا؟ قال: بخلاف ما فيك يا ابن أخي؟ قال وما ذاك؟ قال: بتركي من أمرك ما لا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك، فخجل الرجل.
وقال عمر بن الخطاب ﵁ لرجل: من سيد قومك؟ قال: أنا، قال: كذبت، لو كنت كذلك لم تقله.
وقال أبو حنيفة للأعمش - وأتاه عائدًا في مرضه -: لولا أن أثقل عليك يا أبا محمد لعدتك في كل يوم مرتين، فقال له الأعمش: والله يا ابن أخي، إنك لتثقل علي وأنت في بيتك، فكيف لو جئتني في كل يوم مرتين؟ ووقف عيينة بن حصين بباب عمر بن الخطاب ﵁ فقال: استأذنوا لي على أمير المؤمنين، وقولوا له: هذا ابن الأخيار بالباب، فأذن له، فلما دخل عليه قال له: أنت ابن الأخيار؟ قال: نعم، قال: بل أنت ابن الأشرار. وأما ابن الأخيار فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ﵈.
وقال أبو ضمرة: قدم غيلان بكلمة قد صاغها حتى وقف على ربيعة، فقال: أنت الذي تزعم أن الله أحب أن يعصى؟ قال ربيعة: أنت الذي تزعم أن الله يعصى كرهًا، فكأنما ألقمه حجرًا.
وتكلم إياس بن معاوية مع بعض القدرية فقال: دخولك فيما ليس لك ظلم منك، قال: نعم، قال: فإن الأمر كله لله فلا تدع أن لك شيئًا منه.
وقال رجل لعلي بن أبي طالب ﵁: ما تقول في القدر؟ فقال له علي: أما أني أسألك عن ثلاث، فإن قلت في واحدة منهن: لأكفرت، وإن قلت: نعم، فأنت أنت، فمد القوم أعناقهم ليسمعوا ما يقول، فقال له علي: أخبرني عنك أخلقك الله كما شاء، أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: أفخلقك الله لما شاء أو لما شئت؟ قال: لما شاء، قال: فيوم القيامة تأتيه بما شئت أو بما شاء؟ قال بما شاء، قال: قم فلا مشية لك، فسكت الرجل، ولم يجد جوابًا.
ودخل رجل من الحسبانية على المأمون، فقال لثمامة بن أشرس: كلمه، فقال له ما مذهبك؟ قال: أقول إن الأشياء كلها على التوهم والحسبان، وإنما يدرك الناس منها على قدر عقولهم، ولا حق في الحقيقة، فقام إليه ثمامة فلطمه لطمة سوء في وجهه، فقال: يا أمير المؤمنين، يفعل بي هذا في مجلسك؟ قال له ثمامة: وما فعلت بك، قال: لطمتني، قال: ولعلي إنما دهنتك بالبان، ثم أنشأ يقول:
فعساك حين قعدت قمت ... وحين جئت إلى الذهاب
وعساك تأكل من قفاك ... وأنت تحسبه كباب
فسكت الرجل، وضحك من حضر.
ولقي أبو العيناء رجلًا من إخوانه في السحر، فجعل يعجب من بكوره، فقال له: أراك تشاركني في الفعل، وتنفرد دوني بالتعجب.
1 / 4