Habermas Muqaddima Qasira
يورجن هابرماس: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
ورغم أن هذه الانتقادات هادفة، فيجب ألا ننسى أن تقصيات هابرماس في اللغة والمعنى والحقيقة اعتبرت دراسة تمهيدية لنظريته الاجتماعية. فقد كان اهتمامه بما تستطيع نظريات المعنى والفهم أن تقدمه للنظرية الاجتماعية دوما أكثر بكثير من اهتمامه بما يمكن أن تقدمه النظرية الاجتماعية لها؛ ومن ثم فقد نزع إلى أن ينتقي بعناية أجزاء من فلسفة اللغة يمكن أن تخدم أغراضه. ولا ينبغي أن نخضع لإغراء إنكار فلسفة هابرماس برمتها على أساس أن ثمة أخطاء أو مفاهيم خاطئة في نظريته للمعنى. يجب أن نركز بدلا من ذلك على ماهية الأفكار المتعمقة التي تسمح نظرية المعنى البراجماتية بإضافتها للنظرية الاجتماعية والأخلاقية والسياسية. (3) التواصل والخطاب
تتيح مفاهيم الفعل التواصلي والخطاب رابطا جوهريا بين نظرية هابرماس البراجماتية للمعنى ونظريته الاجتماعية والأخلاقية. تتلخص الفكرة حتى الآن في أن معنى فعل الكلام يعتمد على ادعاء صحته. وتعمل ادعاءات الصحة كضمانة على أن المتكلم يستطيع أن يسوق أسبابا داعمة من شأنها إقناع محاوره بقبول كلامه الملفوظ. غالبا ما يحظى الضمان بالقبول ضمنيا من قبل المستمع، ويكفي لتنسيق تفاعلاتهما. ويكفل ذلك فعلا تواصليا ناجحا. عندما يفهم شخص ما طلبا شفهيا بسيطا ويذعن له ، فإن المتكلم والمستمع، بتوصلهما إلى إجماع، ينتقلان بسلاسة من التواصل إلى الفعل، ويتم تنسيق الأفعال ضمنيا بواسطة ادعاءات الصحة.
ولكن، ماذا يحدث عندما يتعطل التواصل؟ ماذا يحدث عندما يرفض المستمع ادعاء بالصحة؟ عندما يطلب المستمع من المتكلم أن يبرر ادعاء بالصحة بإبداء أسباب له، ينتقل الفاعلون نتيجة الخلاف من موقف فعل إلى موقف خطاب. والخطاب تواصل عن التواصل؛ إنه تواصل يتأمل الإجماع المنقطع في سياق الفعل. لنفترض أنك طلبت مني ألا أدخن في مكتبي أثناء وجودك فيه، فرفضت النزول على رغبتك لأنني أعلم أنك أيضا تدخن. سوف أسألك عن الأسباب الداعية لطلبك. ربما تجيب بأنك أقلعت مؤخرا عن التدخين ولا تريد أن تعود إليه مجددا. في هذه الحالة، ربما أقبل سببك وأطفئ سيجارتي. استنادا لوجهة نظر هابرماس، فإننا شاركنا في الخطاب (وإن كان موجزا)، وتوصلنا إلى إجماع مدفوع بالعقلانية (هذه العبارة هي الترجمة الإنجليزية المقبولة للمصطلح
rationales Einverständnis )، وعدنا بسلاسة إلى سياق الفعل.
هناك أربع نقاط مهمة ينبغي ملاحظتها عن الخطاب. أولا: الخطاب ليس مرادفا للغة أو الكلام، لكنه اصطلاح فني لشكل تأملي من الكلام يهدف إلى التوصل إلى إجماع مدفوع بالعقلانية (نظرية الفعل التواصلي، المجلد الأول). ويهدف الخطاب دوما في المقام الأول إلى الإجماع المدفوع بالعقلانية، حتى لو لم يكن هناك أي إجماع يلوح في الأفق. ثانيا: لا يدل اصطلاح «الخطاب» على شكل نادر وغير مألوف من النشاط اللغوي الذي يمارسه في المقام الأول الفلاسفة والمتحذلقون، بل يسلط الخطاب الضوء على ممارسة الجدل والتبرير الشائعة التي تدخل في نسيج الحياة اليومية. ورغم ذلك، فالخطاب ليس لعبة لغوية واحدة من بين ألعاب لغوية كثيرة؛ وذلك لأن الخطاب، بحسب هابرماس، يشغل مكانة مميزة في العالم الاجتماعي. ويفترض هابرماس أن الخطاب هو الآلية الافتراضية لتنظيم الصراعات اليومية في المجتمعات الحديثة. وهذه الفرضية تجريبية؛ إذ تستند إلى الملاحظة. إن وظيفة الخطاب هي تجديد أو علاج إجماع فاشل، وإعادة ترسيخ الأساس العقلاني للنظام الاجتماعي. وهذه الفرضية إصلاحية؛ إذ تستند إلى تحليل لممارسة الخطاب.
شكل 3-2: الأنواع الثلاثة للخطاب.
ثالثا: يرتبط مفهوم الخطاب ارتباطا وثيقا بمفهوم ادعاء الصحة. فالخطاب يستهل بطعن من قبل المستمع للمتكلم؛ إذ يطلب إليه أن يبرر ادعاءه بالصحة. وبما أن هناك ثلاثة أنواع لادعاء الصحة (الحقيقة والصواب والصدق)، فهناك ثلاثة أنواع مقابلة للخطاب: النظري والأخلاقي والجمالي.
على سبيل المثال، فالخطاب الذي يسعى إلى تبرير ادعاء بصحة الصواب، بطلبك أن أكف عن التدخين، يمثل بحسب نظرية هابرماس خطابا أخلاقيا-عمليا. وأي خطاب ينشأ من طعن في ادعاء بصحة الحقيقة هو خطاب نظري. (يجب أن يتحرى المرء الحيطة هنا؛ فالمصطلح «نظري» مستخدم بمعنى أكثر شمولا من المعتاد.)
النقطة الرابعة والأخيرة هي أن الخطاب نشاط شديد التعقيد والانضباط وليس كلاما شفهيا في متناول الجميع؛ وهذا لأن المحاجة ممارسة تتشكل تبعا لقواعد قابلة للتحديد والصياغة. يشير هابرماس إلى هذه القواعد باعتبار أنها «صبغ الفرضيات المسبقة البراجماتية للخطاب بصبغة مثالية»، أو اختصارا «قواعد الخطاب». (4) قواعد الخطاب
يحدد هابرماس ثلاثة مستويات من القواعد. على المستوى الأول، نجد القواعد المنطقية والدلالية الأساسية كمبدأ عدم التعارض وشرط الاتساق (الوعي الأخلاقي والفعل التواصلي). وعلى المستوى الثاني، هناك المعايير التي تحكم الإجراء، كمبدأ إخلاص النية؛ أي إن كل مشارك يجب أن يقوم بتأكيد ما يؤمن به صدقا؛ ومبدأ المساءلة؛ أي أن يقوم المشاركون - نزولا على طلب الآخر - بتبرير ما يؤكدونه أو بتقديم أسباب لعدم تقديمهم تبريرا. وعلى المستوى الثالث، هناك المعايير التي تحصن عملية الخطاب من الإرغام والكبت وعدم المساواة، وتضمن أن «القوة الحرة للحجة الأفضل» هي التي ستنتصر. وتتضمن القواعد التالية: (1)
Bog aan la aqoon