205

Guide for the Preacher to the Evidence of Sermons

دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ

Noocyada

قال بعضُ السَّلف: من اتقى الله، فقد حَفِظَ نفسه، ومن ضيَّع تقواه، فقد ضيَّع نفسه، والله الغنىُّ عنه.
ومن عجيب حفظِ الله لمن حفظه أنْ يجعلَ الحيوانات المؤذية بالطبع حافظةً له من الأذى، كما جرى لِسَفِينةَ مولى النَّبيِّ ﵌ حيث كُسِرَ به المركبُ، وخرج إلى جزيرة، فرأى الأسدَ، فجعل يمشي معه حتَّى دلَّه على الطريق، فلمَّا أوقفه عليها، جعل يُهَمْهِمُ كأنَّه يُوَدِّعُهُ، ثم رجع عنه. (رواه الحاكم وصححه).
ورؤي إبراهيمُ بن أدهم نائمًا في بستان وعنده حَيَّةٌ في فمها طاقةُ نَرجِس، فما زالت تذبُّ عنه حتَّى استيقظ. (النَّرْجِسُ من الرياحين).
وعكسُ هذا أنَّ من ضيع الله، ضيَّعهُ الله، فضاع بين خلقه حتى يدخلَ عليه الضررُ والأذى ممن كان يرجو نفعه من أهله وغيرهم، كما قال بعض السَّلف:
«إني لأعصي الله، فأعرِفُ ذلك في خُلُقِ خادمي ودابَّتي».
النوع الثاني من الحفظ، وهو أشرف النوعين: حفظُ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المُضِلَّة، ومن الشهوات المحرَّمة، ويحفظ عليه دينَه عندَ موته، فيتوفَّاه على الإيمان.
فعن أبي هريرة ﵁ عن النَّبيِّ ﵌ أنَّه أمره أنْ يقولَ عندَ منامه: «بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ». (رواه البخاري ومسلم).
وفي حديث عمر: أنَّ النَّبيَّ ﵌ علمه أنْ يقول: «اللهُمَّ احْفَظْنِي بالإسْلَامِ قَائِمًا، واحْفَظْنِي بالإسْلَامِ قَاعِدًا، واحْفَظْنِي بِالإسْلَامِ رَاقِدًا، ولا تُشَمِّتْ فيَّ عَدُوًّا ولَا حَاسِدًا» (حسن رواه ابن حبان).
وكان النَّبيُّ ﵌ يودِّع من أراد سفرًا، فيقول: «أسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وأمَانَتَكَ وخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ»، وكان يقول: «إنَّ اللهَ إذَا اسْتُودِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ». (صحيح رواه النَّسائي وغيره).

1 / 222