136

Guide for the Preacher to the Evidence of Sermons

دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ

Noocyada

صور من تواضع النبي ﵌:
يا من تحبون رسول الله ﵌، يا من تعتقدون أن لا سعادة ولا عزة ولا طريق إلى الجنة إلا باتباع رسول الله ﵌ وإلا بأن تكون محبته مقدمة على كل محبوب من البشر. ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب:٢١).
إنه ﵌ سيد ولد آدم، ليس فوقه أحد من البشر - حاشاه ﵌ - إنه أحب الخلق إلى الله وأعظمهم جاهًا وقدرًا عند رب العالمين. إنه صاحب الوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة، منزلةٌ واحدةٌ ليست إلا له ﵌.إن الأرض ما وطئ عليها ولن يطأ عليها إلى يوم القيامة أكرم ولا أجل ولا أرفع منه ﵌.
ومع ذلك تأمل أخي المؤمن تواضعه العجيب ﵌.
أ- عَنْ الْبَرَاءِ ﵁ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﵌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ - وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الشَّعَرِ - وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللهِ
اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
إِنَّ الْأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا»
يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ» (رواه البخاري).
ب- رعيُهُ ﵌ الغنم وتحدثه بذلك:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﵌ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: «وَأَنْتَ»، فَقَالَ: «نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ» (رواه البخاري)
قَوْله: (عَلَى قَرَارِيط لِأَهْلِ مَكَّة) الْقِيرَاط: جُزْء مِنْ الدِّينَار أَوْ الدِّرْهَم.
وَفِي ذِكْر النَّبِيّ ﵌ لِذَلِكَ - بَعْد أَنْ عُلِمَ كَوْنه أَكْرَم الْخَلْق عَلَى اللهِ - مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَظِيم التَّوَاضُع لِرَبِّهِ وَالتَّصْرِيح بِمِنَّتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى إِخْوَانه مِنْ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللهِ وَسَلَامه عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء.
قَالَ الْعُلَمَاء: الْحِكْمَة فِي إِلْهَام الْأَنْبِيَاء مِنْ رَعْي الْغَنَم قَبْل النُّبُوَّة أَنْ يَحْصُل لَهُمْ التَّمَرُّن بِرَعْيِهَا عَلَى مَا يُكَلَّفُونَهُ مِنْ الْقِيَام بِأَمْرِ أُمَّتهمْ، وَلِأَنَّ فِي مُخَالَطَتهَا مَا يُحَصِّل لَهُمْ الْحِلْم وَالشَّفَقَة لِأَنَّهُمْ إِذَا صَبَرُوا عَلَى رَعْيهَا وَجَمْعهَا بَعْد تَفَرُّقهَا فِي الْمَرْعَى وَنَقْلهَا مِنْ مَسْرَح إِلَى مَسْرَح وَدَفْع عَدُوّهَا - مِنْ سَبُع وَغَيْره كَالسَّارِقِ - وَعَلِمُوا اِخْتِلَاف طِبَاعهَا وَشِدَّة تَفَرُّقهَا مَعَ ضَعْفهَا وَاحْتِيَاجهَا إِلَى الْمُعَاهَدَة؛ أَلِفُوا مِنْ ذَلِكَ الصَّبْر عَلَى الْأُمَّة وَعَرَفُوا اِخْتِلَاف طِبَاعهَا وَتَفَاوُت عُقُولهَا فَجَبَرُوا كَسْرهَا وَرَفَقُوا بِضَعِيفِهَا وَأَحْسَنُوا التَّعَاهُد لَهَا؛ فَيَكُون تَحَمُّلهمْ لِمَشَقَّةِ ذَلِكَ أَسْهَل مِمَّا لَوْ كُلِّفُوا الْقِيَام بِذَلِكَ مِنْ أَوَّل وَهْلَة لِمَا يَحْصُل لَهُمْ مِنْ التَّدْرِيج عَلَى ذَلِكَ بِرَعْيِ الْغَنَم.
وَخُصَّتْ الْغَنَم بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا أَضْعَف مِنْ غَيْرهَا، وَلِأَنَّ تَفَرُّقهَا أَكْثَر مِنْ تَفَرُّق الْإِبِل وَالْبَقَر لِإِمْكَانِ ضَبْط الْإِبِل وَالْبَقَر بِالرَّبْطِ دُونهَا فِي الْعَادَة الْمَأْلُوفَة، وَمَعَ أَكْثَرِيَّة تَفَرُّقهَا فَهِيَ أَسْرَع اِنْقِيَادًا مِنْ غَيْرهَا.
جـ - تواضعه ﵌ مع الضعفاء والأرامل والمساكين والصبيان.
عن سهل بن حنيف ﵁:أن رسول الله ﵌: «كَانَ يأتِي ضُعَفَاءَ المسْلِمِينَ ويَزُورُهُمْ، ويَعُودُ مَرْضَاهُمْ، ويَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ» (صحيح رواه الطبراني وغيره).
يأتي ضعفاء المسلمين، فلم تشغله النبوة عن ذلك. ولم تمنعه مسؤولية أمته، ولا كثرة الأعمال: أن يجعل للضعفاء والمرضى نصيبًا من الزيارة والعبادة واللقاء.
ولقد كان ﵌ يمر بالصبيان فيسلم عليهم. وفي رواية: «كَانَ يَزُورُ الأنْصَارَ ويُسَلّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ ويَمْسَحُ رُؤُوسَهُمْ». (صحيح رواه النسائي).
إنك ترى - في عصرنا هذا - بعض الناس يترفع عن المتقين من الرجال فكيف يكون شأنه مع الصبيان والصغار؟
إنك لتجد بعض ضعفاء الإيمان يأنف أن يسلم على من يرى أنه أقل منه درجة أو منصبًا، ولعل ما بينهما عند الله كما بين السماء والأرض! ألا فليعلم أولئك أنهم على غير هدي رسول الله ﵌.

1 / 143