الأثر الكبير في بناء شخصيته، وملكته، فخلق ذلك عاملا فاعلا في نبوغه، وتقدّمه على أقرانه.
أضف إلى ذلك الاستعداد الفطريّ الذي كان يتمتع به، مع ما حباه الله تعالى به من العناية والتوفيق، التي لا يتمّ بغيرها التسديد، فرغب إلى العلم وتحصيله، ومحبة أهله، بعد أن ذاق حلاوته، حتى بلغ من علوّ همّته ما بلغ، فكان لا ينظر إلى شيء إلا وأحبّ أن يقف على أصله، ويشارك فيه، ورحم الله تعالى الشيخ الزاهد محمد بن الفضل البلخي حينما قال: «من ذاق حلاوة العلم، لا يصبر عنه» (^١).
فنشأ مشتغلا بالعلم، وسمع الكثير على جماعة من أكابر العلماء، فسمع من القلانسيّ، والعرضيّ، والتبانيّ، وجدّه عبد العزيز، وغيرهم، وأحضر على الميدوميّ، وأجاز له جماعة من الشّاميين، والمصريين بعناية الشيخ زين الدين العراقيّ، وتفقّه بالشيخ سراج الدين البلقيني.
ثم مال إلى العلوم العقلية، فقرأ على علماء المعقول في عصره، كالسيراميّ، والعزّ الرازيّ، وابن خلدون، حتى أتقن هذا العلم، وصار يشار إليه بالبنان، وتقصده الطلبة من كل حدب وصوب، وصار أمة وحده فيه. وقد أقبل في أواخر حياته على النظر في كتب الحديث، فاستعار من ابن العديم «تخريج أحاديث الرافعي الكبير» للشيخ ابن الملقّن، وهو في سبع مجلدات، فمرّ عليه كلّه، واختصره، وفرغ منه
_________
(^١) «طبقات الصوفية» للسّلمي (٢١٥).
1 / 12