158

Ghidha Albab

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

Daabacaha

مؤسسة قرطبة

Lambarka Daabacaadda

الثانية

Sanadka Daabacaadda

1414 AH

Goobta Daabacaadda

مصر

Noocyada

Suufinimo
رِقَّةِ الْمَعْنَى وَطِيبِ النَّغْمَةِ فَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ السَّمَاعِ. قَالُوا وَإِنَّمَا السَّمَاعُ حَقِيقَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، وَلَطِيفَةٌ رُوحَانِيَّةٌ، تَسْرِي مِنْ السَّمِيعِ الْمُسْمَعِ إلَى الْأَسْرَارِ، بِلَطَائِف التُّحَفِ وَالْأَنْوَارِ، فَتَمْحَقُ مِنْ الْقَلْبِ مَا لَمْ يَكُنْ، وَيَبْقَى فِيهِ مَا لَمْ يَزُلْ، فَهُوَ سَمَاعُ حَقٍّ بِحَقٍّ مِنْ حَقٍّ. قَالُوا وَأَمَّا الْحَالُ الَّذِي يَلْحَقُ الْمُتَوَاجِدَ، فَمِنْ ضَعْفِ حَالِهِ عَنْ تَحَمُّلِ الْوَارِدِ، وَذَلِكَ لِازْدِحَامِ أَنْوَارِ الطَّائِفِ فِي دُخُولِ بَابِ الْقَلْبِ، فَيَلْحَقُهُ دَهْشٌ فَيَبْعَثُ بِجَوَارِحِهِ، وَيَسْتَرِيحُ إلَى الصَّعْقَةِ وَالصَّرْخَةِ وَالشَّهْقَةِ. وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْبِدَايَاتِ، وَأَمَّا أَهْلُ النِّهَايَاتِ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ السُّكُونُ وَالثُّبُوتُ لِانْشِرَاحِ صُدُورِهِمْ، وَاتِّسَاعِ سَرَائِرِهِمْ الْوَارِدِ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ فِي سُكُونِهِمْ مُتَحَرِّكُونَ، وَفِي ثُبُوتِهِمْ مُتَقَلْقِلُونَ، كَمَا قِيلَ لِأَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ ﵁: مَا لَنَا لَا نَرَاك تَتَحَرَّك عِنْدَ السَّمَاعِ؟ فَقَالَ ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النمل: ٨٨] وَيُحْكَى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّمَاعِ وَلِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ الرَّجُلُ سَاكِنًا قَبْلَ السَّمَاعِ، فَإِذَا سَمِعَ اضْطَرَبَ وَتَحَرَّكَ؟ فَقَالَ: السَّمَاعُ خِطَابُ الرُّوحِ مِنْ الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ حِينَ قَالَ ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] فَسُمِعَ حِينَ سُمِعَ لَا حَدَّ وَلَا رَسْمَ وَلَا صِفَةَ إلَّا الْمَعْنَى الَّذِي سُمِعَ حِينَ سُمِعَ، فَبَقِيَتْ حَلَاوَةُ ذَلِكَ السَّمَاعِ فِيهِمْ، فَلَمَّا أَخْرَجَهُمْ وَرَدَّهُمْ إلَى الدُّنْيَا ظَهَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ، فَإِذَا سَمِعُوا نَغْمَةً طَيِّبَةً وَقَوْلًا حَسَنًا طَارَتْ هِمَمُهُمْ إلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ، فَسَمِعُوا مِنْ الْأَهْلِ، وَأَشَارُوا إلَى الْأَصْلِ. قَالُوا فَالْعَارِفُ هُوَ الَّذِي سَمِعَ مِنْ اللَّهِ، وَمَنْ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ كَيْفَ يَسْمَعُ مِنْ اللَّهِ، وَمَنْ لَا يَسْمَعُ مِنْ اللَّهِ فَالْبَهِيمَةُ خَيْرٌ مِنْهُ ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الأعراف: ١٧٩] . وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْمَغْرِبِيُّ: مَنْ ادَّعَى السَّمَاعَ فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَوْتِ الطُّيُورِ وَصَرِيرِ الْبَابِ وَتَصْفِيقِ الرِّيَاحِ فَهُوَ مُدَّعٍ، فَالْعَارِفُ يَسْمَعُ لَطِيفَ الْإِشَارَةِ، مِنْ كَثِيفِ الْعِبَارَةِ. وَدَخَلَ يَوْمًا أَبُو عُثْمَانَ الْمَغْرِبِيُّ وَوَاحِدٌ يَسْتَقِي الْمَاءَ مِنْ بِئْرٍ عَلَيْهِ بَكْرَةٌ فَتَوَاجَدَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ إنَّهَا تَقُولُ اللَّهَ اللَّهَ. قَالُوا: وَسَمِعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁ صَوْتَ نَاقُوسٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا لَا، قَالَ إنَّهُ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ

1 / 165