قبورهم، وهذا مشروع، بل هو فرض على الكفاية متواتر متفق عليه بين المسلمين، ولو جاء إنسان إلى سرير الميت يدعوه من دون الله ويستغيث به كان هذا شركًا محرمًا بإجماع المسلمين، ولو ندبه وناح لكان أيضًا محرمًا، وهو دون الأولى.
فمن احتج بزيارة النبي ﷺ لأهل البقيع وأهل أحد على الزيارة التي يفعلها أهل الشرك وأهل النياحة، فهو أعظم ضلالًا ممن يحتج بصلاته على الجنازة على أنه يجوز أنه يشرك بالميت، ويُدْعى من دون الله، ويندب ويناح عليه، كما يفعل ذلك من يستدل بهذا الذي فعله الرسول- وهو عبادة لله وطاعة له، يثاب عليه الفاعل وينتفع المدعو له ويرضى به الرب- على أنه يجوز أن يفعل ما هو شرك بالته، وإيذاء للميت، وظلم من العبد لنفسه، كزيارة المشركين وأهل الجزع، الذين لا يخلصون له الدين، ولا يسلمون لما حكم به ﷾، فكل زيارة تتضمن فعل ما نهى عنه وترك ما أمر به كالتي تتضمن الجزع، وقول الهجر، وترك الصبر، أو تتضمن الشرك، أو دعاء غير الله وترك إخلاص الدين لله، فهي منهي عنه. وهذه الثانية أعظم إثمًا من الأولى، ولا يجوز أن يصلّى إليها، بل ولا عندها، بل ذلك مما نهى عنه النبي ﷺ فقال: "لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها" رواه مسلم في صحيحه١.
فزيارة القبور على وجهين: وجه نهى عنه ﷺ، واتفق العلماء على أنه غير مشروخ، وهو أن يتخذها مساجد ويتخذها وثنًا، ويتخذها عيدًا، فلا يجوز أن تقصد للصلاة الشرعية، ولا أن تعبد كما تعبد الأوثان، ولا أن تُتَّخَذَ عيدًا يجتمع إليها في وقت معين كما يجتمع المسلمون في عرفة ومنى.
وأما الزيارة الشرعية؛ فهي مستحبة عند الأكثرين، وقيل: مباحة، وقيل: كلها منهي عنه كما تقدم. والذي تدل عليه الأدلة الشرعية أنه يحمل المطلق من كلام العلماء على المقيّد.
١ برقم (٩٧٢) .