ثمَّ قَالَ الْخطابِيّ يذكر السَّبَب الَّذِي من أَجله كثر غَرِيب حَدِيث رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم " أَنه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم بعث مبلغا ومعلما فَهُوَ لَا يزَال فِي كل مقَام يقومه وموطن يشهده يَأْمر بِمَعْرُوف وَينْهى عَن مُنكر ويشرع فِي حادثه ويفتى فِي نازلة والاسماع إِلَيْهِ مصغية والقلوب لما يرد عَلَيْهَا من قَوْله وَاعِيَة، وَقد يخْتَلف عَنْهَا عباراته، ويتكرر فِيهَا بَيَانه ليَكُون أوقع للسامعين وَأقرب إِلَى فهم من كَانَ مِنْهُم أقل فقها وَأقرب بالاسلام عهدا، وأولو الْحِفْظ والاتفاق من فُقَهَاء الصَّحَابَة يوعونها كلهَا سمعا ويستوفونها حفظا ويؤدونها على اخْتِلَاف جهاتها، فتجمع لَك لذَلِك فِي الْقَضِيَّة الْوَاحِدَة عدَّة أَلْفَاظ تحتهَا معنى وَاحِد، وَذَلِكَ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ: الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر، وفى رِوَايَة أُخْرَى: وللعاهر الاثلب، وَقد مر بسماعي وَلم يثبت عِنْدِي: وللعاهر الكثكثت: وَقد يتَكَلَّم صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض النَّوَازِل، بِحَضْرَتِهِ أخلاط من النَّاس قبائلهم شَتَّى ولغتهم مُخْتَلفَة ومراتبهم فِي الْحِفْظ والاتقان غير مُتَسَاوِيَة، وَلَيْسَ كلهم يَتَيَسَّر لضبط اللَّفْظ وحصره أَو يتَعَمَّد لحفظه، ووعيه وَإِنَّمَا يسْتَدرك المُرَاد بالفحوى وَيتَعَلَّق بالعمى ثمَّ يُؤَدِّيه بلغته ويعبر عَنهُ
بِلِسَان قبيلته، فيجتمع فِي الحَدِيث الْوَاحِد إِذا انشعبت طرقه عدَّة أَلْفَاظ مُخْتَلفَة مُوجبهَا شئ وَاحِد (١) .
هَذَا قَول الْخطابِيّ أقرب إِلَى الْفَهم وأجدر بِالْقِيَاسِ مِمَّا قَالَه ابْن الاثير.
_________
(١) غَرِيب الحَدِيث للخطابي ق ٧.
المقدمة / 2