فقالت له: كذب وهراء كل ما أخبروك! فإني لم أر أي خطاب ولم أوقع، بل ولم يطلب إلي أن أوقع أي خطاب! وإنني لأقسم على صحة ذلك. أما ذهابك إلى قصر كريجميلر فإنني لا أضطرك إليه، ولك ملء الحرية في أن تذهب إلى أي مكان تشاء.
فاطمأن قليلا واعتقد في صدق كلماتها ثم قال: هناك منزل كيرك أوفيلد، وله حديقة غناء، وهو يطل على أخصب بقاع أدنبره، وأنا في أشد الحاجة إلى الهواء النقي، وقد نصحني الأطباء بعمل حمامات كثيرة للتخلص من هذا المرض. لا ريب أن منزل كيرك أوفيلد يصلح إذا وافقت على ذلك.
ووافقت هي في الحال وأصدرت أوامرها بإصلاح ذلك المنزل، وبنقل بعض الأثاث الموجود في قصر هوليرود لتزيين مدخله حتى يكون لائقا بقدر الإمكان لسكنى ملك.
وانتقلا بعد بضعة أيام إلى ذلك المنزل، فما لبثت شكوكه أن هدأت؛ إذ رأى ما تحيطه به من عطف وحب، وخاصة لوجود كثير من أتباعه هناك.
وأخذ حبهما ينمو من جديد إبان الاثني عشر يوما التي قضاها وهو يتماثل إلى الشفاء في منزل كيرك أوفيلد، وكانت هي كثيرة العبث واللهو معه كما تكون المرأة مع عشيقها، حتى أخذ الناس يتحدثون عن عودة حب الملكة لزوجها، وأملوا بأن يكون ذلك الصلح سلاما للأمة، وهناء يستفيد منه الجميع، ولكن على الرغم من ذلك كان هناك من ينظر إلى ذلك الصلح بعين الحيرة والاستغراب، ويبحث عما إذا كان في خلق المرأة وعاطفتها ما يسمح بمثل ذلك التغير الفجائي من الكراهية الشديدة إلى الحب؟
مخاوف وشكوك
وكان دارنلي ينام في الدور الأعلى من المنزل في غرفة أثثت أثاثا فاخرا، وفرشت أرضها بالأبسطة الشرقية، ووضع له بجانب الفراش ذلك الحمام الخاص، الذي كان جزءا من علاجه، وعدة مقاعد وثيرة.
أما الملكة فكانت تنام في غرفة بالدور الأسفل تحت غرفة زوجها تماما، وكانت نوافذها تطل على الفضاء الواسع، أما بابها فيؤدي إلى الممر الموصل إلى الحديقة.
وكأن الحياة هناك قد راقت للملكة على الرغم من أنها لم تكن تزور قصر كيرك أوفيلد في الماضي إلا نادرا، وكانت تمضي شطرا كبيرا من اليوم في غرفة زوجها لتسليه في فترة نقاهته من مرضه. أما الوقت الذي لم تكن توجد فيه في غرفة زوجها فقد كانت تسير أثناءه للنزهة في الحديقة، وكثيرا ما كان زوجها يسمعها تغني وهو في فراشه.
لم تظهر الملكة ماري لزوجها الحب في أوانه كما أظهرته في تلك الآونة، اللهم إلا عقب زواجهما مباشرة؛ ولذا فقد غادرته شكوكه، إلا أن ذلك النعيم لم يدم مدة طويلة؛ إذ ما لبث أن وصل إليه اللورد روبرت يحمل إليه تحذيرا ألقى الرعب في قلبه، فقد أخبره أنه إذا لم يغادر ذلك المكان في الحال؛ فإنه لن يغادره إلا بعد أن يفقد حياته، وصارح دارنلي الملكة بتلك الإشاعة التي وصلت إلى مسامعه عن طريق اللورد روبرت، فأنكرت كل شيء، وأرسلت في الحال تستدعي اللورد روبرت، وسألته أمام زوجها عما ذكره، فما وسعه غير الإنكار، وقال: إنه لم ينذر الملك بشيء ، وأن كل ما هنالك قد يكون سوء فهم لحديثه، بل وأضاف إلى ذلك أن حديثه لم يتعد حالة الملك الصحية التي ربما تقتضي تغيير طريقة العلاج، والبحث عن هواء أنقى من هواء تلك البقعة.
Bog aan la aqoon