فتحيرت سلمى إذ لم يكن لها عهد بالشراب، ولم تكن تريد أن تذوقه، ولكنها تناولت الكأس ولبثت تنتظر ما يفعله يزيد فإذا هو قد صب قدحا آخر من زجاجة أخرى فيها شراب أصفر وقال: وهذا من عصير البلح، وشرب فتظاهرت هي بالشرب وصبت الكأس في ثيابها.
فلم يستقر الشراب في جوف يزيد حتى غلب عليه المرح ودنا من فراش سلمى والطنبور بيده يضرب عليه ويطرب، والعجوز تقطع اللحوم وتناولهما وتصب لهما الأشربة وسلمى تحبب إليه الشراب عسى أن يسكر فيهون عليها الفتك به.
وكان شمر حينما علم بعزم الخليفة على الاقتران بسلمى قد اعتزم الوشاية بها انتقاما لما ناله من جفائها، فلما رأى موكبها قادما إلى دمشق وتحقق دخولها القصر ووقوعها من يزيد موقع الاستحسان، أخذ في إعداد المكيدة، فاغتنم فرصة رأى فيها يزيد خارجا وحده من المجلس إلى المقصورة فاعترضه وهمس في أذنه: إن عروسك لا يركن إلى قلبها فاحترس على نفسك منها. وكان يزيد مسرعا إلى لقاء سلمى وقد أخذ الشوق منه مأخذا عظيما، فأثرت كلمات شمر تأثيرا لم يطل مكثه طويلا، ولم يكد يجلس إليها ويتأمل محياها حتى نسي الوصية، ولا سيما بعد أن دارت برأسه سورة الخمر، ولم يعد يرى من الدنيا شيئا غير ما في مقصورته.
أما شمر فلما طال مقام يزيد مع سلمى في تلك الخلوة ولم يسمع شيئا جديدا اشتد به الحسد مخافة أن تكون سلمى قد تسلطت على قلب يزيد وأنسته حاله، وندم لأنه لم يصرح له بحقيقة نسبها وأنها ابنة عم عبد الرحمن وخطيبته فيتحقق خيانتها ويخاف غدرها، وأصبح شمر لا يهدأ له بال. وفكر في سبيل ينال به بغيته، وهو يعلم منزلة عبيد الله بن زياد من يزيد، فسار إليه، وكان ابن زياد في غفلة عن علاقة سلمى بعبد الرحمن، ولكنه بات كاسف البال لفشله في خطبته سلمى، وقد شق عليه خروجها من يديه، ولم يكن أطول من تلك الليلة عنده.
فلما انفض المجلس وعلم عبيد الله بذهاب يزيد إلى المقصورة وأن سلمى هناك في انتظاره ثارت الغيرة في قلبه، وكان قد أوى إلى غرفته في القصر وتوسد الفراش ولكنه لم يجد إلى الرقاد سبيلا، وكلما تذكر سلمى وجمالها وتصور قربها من يزيد، وكان يعتقد ضعفه ولا يحترمه إلا لأنه الخليفة، اقشعر بدنه لفرط غيرته.
وقضى في غرفته بضع ساعات وهو في قلق شديد يغالب عواطفه ويهون الأمر على نفسه، وفيما هو في تلك الهواجس دخل عليه خادمه وهو يحسبه نائما، فلما رآه مستيقظا قال له: إن شمر بن ذي الجوشن بالباب.
فقال: دعه يدخل، وجلس في الفراش وأمر الخادم فأضاء السراج.
فدخل شمر وعلى وجهه علامات الاهتمام، فابتدره عبيد الله بالاستفهام عما وراءه، فقال: لقد أتيتك في أمر ذي بال.
قال: وما هو؟ قال: أنت تعلم عزم الخليفة على الاقتران بتلك الفتاة الحسناء.
فلما سمع ابن زياد الإشارة إلى سلمى اختلج قلبه في صدره وأصاخ بسمعه وقال: أعلم ذلك، ثم ماذا؟
Bog aan la aqoon