ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور .
فقال يزيد:
وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، ثم سكت عنه.
وكانت سلمى في أثناء ذلك تنتفض من شدة الغضب، وتوقعت أن يتكشف أمرها فتهيأت للدفاع بأي وسيلة كانت، فلما رأت سكوت يزيد هدأ روعها ، ثم رأته يشير بيده أن يخرجوهن، فخرجوا بهن إلى دار النساء، فخافت أن يفتضح أمرها هناك؛ إذ لا تستطيع البقاء مقنعة بين النساء، فاحتارت في أمرها ولم تر خيرا من أن تشكو حالها إلى زينب وتستشيرها؛ لأنها كانت عالمة بحكايتها مع يزيد.
فلما خرجوا بهن من مجلس يزيد وأدخلوهن دار النساء، أقبل عليهن نساء يزيد وسائر أهل بيته، وبكين معهن وأقمن المأتم، وسلمى تتظاهر بالانشغال وهي ترى نساء يزيد وبينهن العجوز قيمة الدار وتستتر منها، وتنتظر فرصة لتخاطب زينب على انفراد، حتى إذا جاء المساء خلت إليها واستشارتها في أمرها، فقالت زينب: لا تظني أني نسيت حالك، وقد كنت وأنا في بكائي ونحيبي أفكر في أمرك، فاعلمي يا بنية أن يزيد خيرنا في الإقامة حيث نشاء، وسنختار الإقامة بالمدينة، فإذا شئت المضي معنا فأهلا بك ومرحبا.
قالت سلمى: إني على ما تشائين يا مولاتي، ولكنني ما زلت آملة أن ... وبكت.
فأدركت زينب أنها تعني عبد الرحمن فقالت: لا قطع الله لك أملا، وسكتت لأنها لا تدري ما آل إليه أمر عبد الرحمن وعامر بعد مسيرهما إلى الكوفة، وإن كانت ترجح موتهما، وبعد السكوت برهة قالت زينب: ذلك أمر سننظر فيه بعد خروجنا، ولكنني لا أرى بقاءك هنا إلا خطرا.
قالت: وأنا أراه كذلك، فهل تأذنين لي في الخروج إلى الغوطة فأقيم بدير خالد ريثما تخرجن، فأكون معكن إن شاء الله؟ وقد اختارت الدير لكي تزور قبر أبيها وتبكيه مرة أخرى.
فقالت زينب: لقد رأيت حسنا، امكثي هناك حتى نخرج.
ثم تظاهرت زينب بأمر تريد إنفاذ سلمى فيه إلى خارج القصر، وأخرجتها منه فخرجت وهي كالضائعة الرشد لفرط ما هاج من أشجانها هناك؛ إذ تذكرت كل ما قاسته من الأهوال في ذلك المكان، فلما أصبحت خارج القصر سارت في أسواق المدينة تطلب الغوطة حتى إذا اشتمت رائحة البساتين ووقع بصرها على تلك الغياض تذكرت حالها مع عبد الرحمن وثارت أحزانها، فسارت تلتمس قبر أبيها وقد اشتد بها اليأس ولم تعد ترى في الحياة لذة.
Bog aan la aqoon