طليحة قد عبى أصحابه وعبى خالد أصحابه، وكان على ميمنته عدي بن حاتم الطائي، وعلى ميسرته زيد الخيل، وعلى الجناح الزبرقان بن بدر التميمي، ودنا القوم بعضهم من بعض واختلط القوم فاقتتلوا، فقتل من الفريقين جماعة، وجعلت بنو أسد وغطفان وفزارة يقاتلون بين يدي طليحة بن خويلد أشد القتال وهم ينادون: لا نبايع أبا الفصيل - يعنون أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وجعل عدي بن حاتم يحمل عليهم في أصحابه فيقاتلهم وهو يقول: والله! لنقاتلنكم أبدا أو تكنونه بالفحل الأكبر (1). قال: وجعل عدي بن حاتم وزيد الخيل وقبائل طيء يقاتلون بين يدي خالد بن الوليد قتالا لم يقاتلوا قبله في يوم من أيامهم التي سلفت، ومدحهم خالد بن الوليد. قال: واشتد القتال وعظم الأمر وعظت (2) الحرب الفريقين جميعا، فأقبل عيينة بن حصن إلى طليحة بن خويلد وهو واقف على باب خيمة من شعر (3) وفرسه علال إلى جانبه وامرأته نوار جالسة بين يديه (3) فقال له عيينة: أبا عامر! هل أتاك جبريل؟ قال طليحة: لا، فرجع عيينة إلى الحرب فقاتل ساعة ثم رجع إليه فقال: هل أتاك جبريل بعد؟ فقال: لا، فرجع فلم يزل يقاتل حتى بلغ منه الجهد واشتد به الأمر ثم رجع إلى طليحة فقال: أبا عامر! هل أتاك جبريل؟ قال: لا، قال عيينة: حتى متى ويحك! بلغ منا الجهد واشتد بنا الأمر وأحجم الناس عن الحرب، ثم رجع فلم يزل يقاتل هو وبنو عمه من فزارة حتى ضجوا من الطعان والضراب، ثم رجع فقال له: أبا عامر! هل أتاك جبريل بعد؟ قال: نعم قد أتاني، قال عيينة: الله أكبر! هات الآن ما عندك وما الذي قال لك جبريل! قال طليحة: نعم قد قال جبريل عليه السلام: إن رجاء لا تقوم لرجاه وإن لك وله حديثا لا تنساه الناس أبدا (5). قال: ثم أقبل عيينة على أهله وبنى عمه من فزارة فقال:
ويحكم يا بنى عمى! هذا والله كذاب! والله صح عندي كذبه لتخليطه في كلامه! قال: ثم ولى عيينة بن حصن منهزما مع بني عمه من فزارة وانهزمت بنو أسد وغطفان وسيوف المسلمين في أقفيتهم كأنها الصواعق! فقال طليحة بن خويلد:
Bogga 14