صريعا والتفت الروم ينظرون ما الخبر فإذا هم بالنسوة وقد أقبلن والعمد بأيديهن فصاح بطريق يا ويلكن ما هذا فقالت عفرة: هذه فعالنا فلنضربن بالقوم بهذه الأعمدة ولا بد من قطع اعماركم وانصرام أجالكم يا أهل الكفر قال فجاء بطرس وقال تفرقوا عن النسوة ولا تبذلوا فيهن السيوف ولاأحد منكم يقتل واحدة منهن وخذوهن اسارى ومن وقع منكم بصاحبتي فلا ينلها بمكروه فتفرق القوم عليهن وحدقوا بهن من كل جانب وراموا الوصول إليهن فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا ولم تزل النساء لا يدنوا إليهن أحد من الروم إلا ضربن قوائم فرسه فإذا تنكس عن جواده بادرت النساء بالأعمدة فيقتلنه ويأخذن سلاحه.
قال الواقدي: ولقد بلغني أن النسوة قتلن ثلاثين فارسا من الروم فلما نظر بطرس إلى ذلك غضب غضبا شديدا وترجل وترجلت أصحابه نحو النساء والنساء يحرض بعضهن بعضا ويقلن متن كراما ولا تمتن لئاما وأظهر بطرس رأسه وتلهفه عندما نظر إلى فعلهن ونظر إلى خولة بنت الأزور وهي تجول كالاسد وتقول:
نحن بنات تبع وحمير
...
وضربنا في القوم ليس ينكر
لاننا في الحرب نار تسعر
...
اليوم تسقون العذاب الأكبر
قال فلما سمع بطرس ذلك من قولها ورأى حسنها وجمالها قال لها: يا عربية اقصري عن فعالك فاني مكرمك بكل ما يسرك أما ترضين أن أكون أنا مولاك وأنا الذي تهابني أهل النصرانية ولي ضياع ورساتيق وأموال ومواشي ومنزلة عند الملك هرقل وجميع ما أنا فيه مردود إليك أما ترضين أن تكوني سيدة أهل دمشق فلا تقتلي نفسك فقالت له: يا ملعون ويا ابن ألف ملعون والله لئن ظفرت بك لاقطعن رأسك والله ما أرضى بك أن ترعى لي الإبل فكيف ارضاك أن تكون لي كفؤا قال فلما سمع كلامها حرض أصحابه على القتال وقال أترون عارا أكبر من هذا في بلاد الشام أن النسوة غلبنكم فاتقوا غضب الملك قال فافترق القوم وحملوا حملة عظيمة وصبر النساء لهم صبر الكرام فبينما هم على ذلك إذ أقبل خالد بن الوليد ﵁ ومن معه من المسلمين ونظروا إلى الغبار وبريق السيوف فقال لأصحابه: من يأتيني بخبر القوم فقال رافع بن عميرة الطائي أنا آتيك به قال ثم أطلق جواده حتى أشرف على النسوة وهن يقاتلن قتال الموت قال فرجع وأخبر خالدا بما رأى فقال خالد: لا أعحب من ذلك انهن من بنات العمالقة ونسل التبابعة وما بينهن وبين تبع إلا قرن واحد وتبع بن بكر بن حسان الذي ذكر رسول الله ﷺ قبل ظهوره وشهد له بالرسالة قبل أن يبعث وقال:
شهدت بأحمد إنه رسول
...
من الله بارىء كل النسم
1 / 48