أفواهها ثم ركبوا المطايا وجنبوا الخيول وساروا فكانوا كلما نزلوا منزلا أخذوا عشرة من الإبل يشقون بطونها ويأخذون ما يجدون من الماء في بطونها فيجعلونه في حياض الأدم فإذا برد سقوه للخيل وأكلوا اللحم ولم يزالوا كذلك حتى تمت الإبل وفرغ الماء وقطعوا مرحلتين بلا ماء واشرف خالد ومن معه على الهلاك فقال خالد لرافع ابن عميرة: يا رافع قد اشرفنا على الهلاك والتلف أتعرف لنا ماء ننزل فيه.
قال الواقدي: وكان رافع رمدت عيناه فقال: أيها الأمير أتاني رمد كما ترى ولكن إذا اشرفتم على ارض سهلة فاعلموني قال: فلما اشرفوا عليها اعلموا رافعا بذلك قال فرفع طرف عمامته عن عينيه وسار على راحلته يضرب يمينا وشمالا والناس من ورائه إلى أن أقبل على شجرة من الأراك فكبر وكبر المسلمون ثم قال: احفروا هنا قال فحفرت العرب واذ الماء قد طلع كالبحر فنزل الناس عليه وشكروا الله تعالى واثنوا عليه وعلى رافع خيرا ثم وردوا الماء وسقوا خيلهم وابلهم ثم جدوا في طلب من انقطع من المسلمين ومعهم القرب بالماء قال فسقوهم فارتجعت قوتهم ثم لحقوا بالجيش وأراحوا أنفسهم ثم في ثاني يوم جدوا في المسير إلى أن بقي بينهم وبين أركة مرحلة واحدة فبينما هم كذلك إذ اشرفوا على حلة عامرة واغنام وابل قد سدت الفضاء والمستوى فأسرع المسلمون إلى الحلة وإذا براع يشرب الخمر والى جانبه رجل من العرب مشدود قال: فتبينه المسلمون وإذا هو عامر بن الطفيل الذي أرسله خالد قال فأقبل خالد ابن الوليد مسرعا حتى وقف عليه فلما رآه تبسم وقال: يا ابن الطفيل كيف كان سبب اسرك قال عامر: أيها الأمير إني اشرفت على هؤلاء القوم في هذه الحلة وقد اصابني الحر والعطش فملت إلى هذا الراعي ليسقيني من اللبن فوجدته يشرب خمرا فقلت له: يا عدو الله أتشرب الخمر وهي محرمة فقال لي: يا مولاي إنها ليس بخمر وإنما هي ماء زلال فانزل كي تراه واستنشق ما في الجفنة فإن كان خمرا فافعل ما بدا لك فلما سمعت كلامه انخت المطية ونزلت عن كورها وجلست على ركبتي في الجفنة وإذا نا بالعبد قد طلبنا بعصا كانت إلى جانبه وضربني على رأسي فشجني شجة موضحة فانقلبت على جانبي فأسرع العبد الي وشدني كتافا واوثقني رباطا وقال لي: أظنك من أصحاب محمد بن عبد الله ولست ادعك من بين يدي أو يقدم سيدي من عند الملك فقلت له: ومن سيدك من العرب فقال القداح بن وائلة وإني عند هذا العبد كلما شرب الخمر حضرني كما ترى والقى علي فضلة من كأسه قال فلما سمع خالد بن الوليد كلام عامر بن الطفيل اشتد به الغضب ومال على العبد وضربه ضربة هائلة فجندله صريعا ونهب المسلمون المال والأغنام والإبل وقلعوا الحلة بما فيها واطلق عامرا وقال له: أين رسالتي يا عامر فقال: يا مولاي هي فى طرف عمامتي لم يعلم بها العبد فقال خالد: انطلق بها يا عامر على بركة الله تعالى قال فركب عامر.
1 / 23