منهم: أيها الأمير ارجع بنا إلى البرية حتى نكون في بطن البيداء فانهم لا يقدرون على فراق القرى والحصون فإذا جاءهم الخبر اننا توسطنا البرية يتفرق جمعهم وبعد ذلك نعطف عليهم وهم على غفلة فنهزمهم أن شاء الله تعالى فقال سهل بن عمرو أن هذه مشورة رجل عاجز فقال رجل من المهاجرين لقد كنا مع رسول الله ﷺ نهزم الجمع الكثير بالجمع القليل وقد وعدكم الله النصر وما وعد الصابرين إلا خيرا وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة: ١٢٣] قال سهل ابن عمرو أما أنا فلا رجعت عن قتال الكفرة ولا رددت سيفي عنهم فمن شاء فلينهض ومن شاء فليرجع ومن نكص على عقبيه فأنا وراءه بالمرصاد قال فلما سمع المسلمون إنه وافقه على ذلك عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵁ قالوا: أحسنت يا أبا الفاروق قال ثم أن عمرو بن العاص عقد راية واعطاها عبد الله بن عمر بن الخطاب وضم إليه ألف فارس فيهم رجال من الطائف ومن ثقيف وأمرهم بالمسير فسار عبد الله وجعل يجد السير بقية يومه إلى الصباح وإذا بغبرة القوم قد لاحت فقال عبد الله بن عمر هذه غبرة عسكر واظنها طليعة القوم ثم وقف ووقف امامه أصحابه فقال قوم من البادية اتركنا نرى ما هذه الغبرة فقال: لا تتفرقوا من بعضكم حتى نرى ما هي فوقف الناس وإذا بالغبرة قد قربت وانكشفت عن عشرة آلاف من الروم وقد بعث معهم روبيس بطريقا من أصحابه وكانوا قد ساروا يكشفون خبر المسلمين فلما نظرهم عبد الله بن عمر قال لأصحابه: لا تمهلوهم لانهم لا بد لهم منكم والله ينصركم عليهم واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف قال فأعلن القوم بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فلما جهروا بها أجابهم الشجر والمدر والدواب والحجر وكان أول من حمل عكرمة بن أبي جهل وتبعه سهل بن عمرو والضحاك أيضا بالجملة وصاح في رجاله وحمل المهاجرون والأنصار معهم والتقى الجمعان وعمل السيف في الفريقين قال عبد الله بن عمر وبينما أنا في الوقعة إذ نظرت من القوم بطريقا عظيم الخلقة وهو كالحائر البليد وهو يركض يمينا وشمالا فقلت: إن يكن لهذا الجيش عين فهذا عين الجيش وصاحب الطلائع وهو مرغوب من الحرب فلما حملت عليه ومددت قناتي إليه نفر فرسه من الرمح فقربت منه واوهمته إني أريد الانهزام ثم عطفت عليه وطعنته فوالله لقد خيل لي إني ضربت بسيفي حجرا وسمعت طنين السيف حتى حسبت أن سيفي انفصل وإذا هو صريع ثم عطفت عليه واخذت لامته فلما رأى المشركون صاحبهم مجندلا داخلهم الفزع والهلع وصدمهم المسلمون في الضرب والقتال فلله در الضحاك والحرث بن هشام لقد قاتلا قتالا شديدا ما عليه من مزيد فما كان غير قليل حتى انهزم الكفار من بين ايديهم هاربين قال فرجع المسلمون واجتمع بعضهم على بعض وجمعوا الغنائم والأموال وقال بعضهم لبعض ما فعل الله بعبد الله بن.
1 / 17