يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه : قال تعالى "ليس كمثله شيء " فنزه وشبه ، "وهو السميع البصير ، فشبه. وهي أعظم آية تنزيه نزلت(1) ، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف فهو أعلم العلماء بنفسه ، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه. ثم قال " سبحان ربك رب العزة عما يصفون وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم. فنزه نفسه عن تيزيههم إذ حددوه (82-ب) بذلك التنزيه ، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام . فلم تخل الحق عن صفة يظهر فيها . كذا قالت، وبذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة(2)، فنطقت بما نطقت به رسل الله "الله أعلم حيث يجعل رسالته(3). " فالله أعلم موجه : له وجه بالخبرية إلى رسل(4) الله ، وله وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته . وكلا الوجهين حقيقة فيه ، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه . وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور ونسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها(5) الحق . ولكن قد أ مرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها لا بد من ذلك : مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم ، ثم بعد ذلك يعبر - أي يجاز - عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا فإن كان الذي يعبرها ذا كشف وإيمان فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط بل يعطيها حقها في التنزيه ومما ظهرت فيه
Bogga 182