Fusul Min Falsafa Siniyya
فصول من الفلسفة الصينية: مع النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس
Noocyada
3
والتمييز بين الصح والخطأ هو بداية الحكمة ... فإذا استطاع المرء رعاية وتنمية هذه البدايات، فإنها تغدو مثل بداية اشتعال النار أو انبثاق ينبوع، وإذا أكمل رعايتها فسيغدو قادرا على النهوض بأعباء حكم كل البلاد، وإذا فشل في ذلك فلن يكون قادرا حتى على القيام بأعباء والديه» (منشيوس 3: 6).
إن مفتاح فهمنا لهذا الفصل من كتاب منشيوس هو استعماله لكلمة «فجأة» في وصفه لما يشعر به المرء، عندما يرى طفلا يزحف نحو بئر ويوشك أن يقع فيه؛ فالشعور بالجزع والتعاطف قد حصل بشكل تلقائي ودونما تفكير؛ ولذلك لا يمكن إلا أن يكون تعبيرا عن الطبيعة الأصلية الخيرة عند الإنسان. ولكن هذا الإحساس الطيب الذي تولد فجأة ليس إلا بذرة أو بداية المروءة، وهو لن يتحول مع بقية البدايات التي ذكرها منشيوس إلى فضائل ثابتة إلا بالتطوير والتنمية، فتتفتح حسب قوله مثلما تتفتح الزهرة من البرعم، أو مثلما تنمو الشجرة من البذرة. ولكن لماذا يتوجب على الإنسان أن يسمح لهذه البدايات الأربع بالتفتح بدلا من الغرائز الحيوانية التي تشكل الطبيعة الأخرى؟ وجواب منشيوس على ذلك هو أن هذه البدايات هي التي تميز المرء وتجعل منه إنسانا حقا. وعلى الرغم من أن الفارق بين الإنسان والحيوان ضئيل، إلا أن الرجل النبيل يحافظ على هذا الفارق، بينما يهمله معظم عامة الناس.
على أن من يهمل هذا الفارق بين الإنسان والحيوان ليس فاقدا للطيبة الأصلية، ولكنه ضل عنها بتأثير عوامل خارجية. وهنا يسوق منشيوس المثال التالي لتوضيح فكرته: «كانت الأشجار على جبل نيوشان تنمو بوفرة، وتزداد نماء في الليل والنهار بماء المطر ورطوبة الندى فتبرعم وتورق، ولكن لقرب الجبل من العاصمة فقد وقعت أشجاره تحت ضربات الفئوس، وراحت الماشية ترعى هناك حتى جعلته أجرد، وظن الناس أنه لم تكن فيه أشجار قط، ولكن هل كانت هذه هي الطبيعة الأصلية للجبل؟» «وكذلك الأمر فيما يتعلق بالإنسان الذي لا تخلو طبيعته الأصلية من الإحسان والصلاح، وإذا حدث ذلك فلأنه ضل عن طبيعته الأصلية وصار مثل تلك الأشجار التي وقعت تحت ضربات الفئوس وفقدت رونقها الأصلي ... وعندما يرى الآخرون ذلك سيعتقدون أنه لم تكن له طبيعة طيبة فقط. ولكن هل هذه هي طبيعته الفطرية؟ إنك عندما تنمي شيئا فإنه يكبر ويزداد، وبدون ذلك فإنه يذوي ويفسد.»
بين الواجب والمنفعة
من المهام التي أخذها منشيوس على عاتقه معارضة أفكار مو تزو، وهو في الفصل الأول من كتابه ينتقد بشكل غير مباشر مبدأ مو تزو في المنفعة، القائم على أن كل ما هو نافع صالح، وكل ما هو صالح نافع، وذلك من خلال حوار جرى بينه وبين هوي ملك ليانغ الذي قصده منشيوس عله يجد عنده أذنا صاغية لأفكاره في الحكم والسياسة؛ فقد بدأ الملك حديثه بقوله: «لقد قطعت إلينا مسافة طويلة جدا، ولا بد أنك جئت لتعرض علينا ما ينفع هذه الدولة.» فقال له منشيوس: «لماذا اختار جلالتكم الحديث عن المنفعة؟ لقد جئت لأعرض عليكم مسائل تتعلق بالحكم القائم على الصلاح والإحسان. عندما يسأل جلالتك: كيف أنفع مملكتي؟ ويسأل موظفوك: كيف ننفع أسرنا؟ ويسأل العامة والمثقفون: كيف ننفع أنفسنا؟ فإن كل من في الأعلى ومن في الأسفل سوف يتنافسون لتحقيق المنفعة، وتواجه المملكة الأخطار» (منشيوس 1: 1).
ومنشيوس هنا يتابع ما بدأه كونفوشيوس في نقد مبدأ المنفعة عندما قال: «الرجل النبيل يعمل بدافع الواجب الخلقي، والرجل الوضيع يعمل بدافع المصلحة.» على أن توكيد منشيوس على التمييز بين الدوافع الأخلاقية ودوافع المنفعة وحسابات الربح والخسارة، لا يعني وجود تناقض تام بين الدافعين؛ فالإنسان الأخلاقي يعمل بدافع المنفعة وحسابات الربح والخسارة، ولكن عندما تتعارض المنفعة مع الفضيلة فإنه يضحي بالمنفعة لحساب الفضيلة. وبهذا الخصوص يقول: «السمك هو طبقي المفضل، وكذلك كف الدب، فإذا لم أستطع الحصول عليهما معا فإنني أفضل كف الدب. الحياة هي ما أرغب به، وكذلك الصلاح، فإن لم أستطع الحفاظ عليهما معا اخترت الصلاح» (منشيوس 11: 10).
يضاف إلى ذلك أننا عندما نطلب الفضيلة نجدها لأننا نبحث عن شيء موجود في داخلنا وهو من طبيعتنا الأصلية، وتحقيقه لا يتطلب سوى بذل الجهد، أما عندما نطلب المنافع مثل الثروة والجاه، فإن جهدنا وحده لا يكفي؛ لأن ما نبحث عنه موجود خارجنا، وتحقيقه يتوقف على عوامل خارجية مثل الحظ والقدر (منشيوس 13: 3). وبهذا المعنى قال كونفوشيوس من قبل: «هل المروءة بعيدة المنال؟ كلا، بل هي حاضرة هنا والآن، متى طلبتها وجدتها» (كتاب الحوار 7: 29).
بطلان مبدأ الحب الشمولي
لعل أكثر ما ناله مو تزو من نقد منشيوس هو مبدؤه في الحب الشمولي الذي لا تدرج فيه ولا تمييز، بل يبذل بالتساوي على الجميع، فيحب المرء ابن جاره مثلما يحب ابنه، ويحب ابن البلدة الأخرى مثلما يحب ابن بلدته، ومواطن الدولة الأخرى مثل مواطن دولته؛ فمنشيوس يرى، كما يرى بقية الكونفوشيين، أنه من الطبيعي أن يحب المرء مواطني دولته أكثر مما يحب مواطني الدولة المجاورة، ويحب مواطني بلدته أكثر مما يحب مواطني البلدة المجاورة، ويحب أهل بيته أكثر مما يحب مواطني بلدته، ولكنه يرى بالمقابل أن من لا يقدر على حب القريب لن يقدر على حب البعيد، والحب المتدرج يتوسع حلقة فحلقة حتى يشتمل على الجميع في النهاية، وذلك فيما يدعوه منشيوس بتوسيع دائرة الذات، أو توسيع دائرة الحب لتغدو دوائر متتابعة يحتوي بعضها بعضا. وعلى ما يقول في الباب الأول من كتابه: «دلل صغارك، ثم وسع هذا الدلال ليشتمل على كل الصغار. وقر المسنين في أسرتك، ثم وسع هذا التوقير ليشتمل على كل المسنين ... لقد أفلح القدماء لخصوصة واحدة فيهم، وهي أنهم برعوا في توسيع دائرة عطفهم ورعايتهم» (منشيوس 1: 7).
Bog aan la aqoon