89

Fusul Gharawiyya

الفصول الغروية في الأصول الفقهية

Sanadka Daabacaadda

1404 AH

لا تفعل وهذا التفصيل مبني على أن تكون الأكوان على تقدير عدم البقاء مستندة إلى المكلف والبقاء على تقدير الحاجة مستندا إلى علة الحدوث وإن كانت علة إعدادية وكلاهما في محل المنع لجواز أن يقال بعدم بقاء الأكوان ويلتزم بخلو المكلف عن جميع الأفعال بأن الكون الأول صادرا عنه وبقية الأكوان مستندة إلى علة أخرى كالكون الأول من حيث إعداده لحصولها أو يكون كل كون لاحق مستندا إلى الكون السابق من حيث إعداده لحصوله وهذا هو الظاهر على هذا القول بدليل صدورها حال الغفلة وعدم الشعور أيضا أو يقال بالبقاء واحتياجه إلى المؤثر ويلتزم بالخلو نظرا إلى استناد البقاء إلى غير المقتضي للحدوث أعني المكلف كما في كثير من الآثار الاعدادية وربما يتوهم أن الشبهة المذكورة مبنية على أحد القولين الأولين إذ على التقدير الثالث ينثلم دعوى التوقف والاستلزام فلا يتم التقريب وليس بشئ لان ترك الحرام على هذا التقدير يتوقف على أحد الامرين من التشاغل بفعل من الافعال والخلو من الجميع أو يستلزمها فإن جعلنا الخلو مما يصح أن يتعلق به التكليف كان أحد أفراد الواجب المخير وإلا تعلق الوجوب بالفرد الاخر على التعيين وإن سقط بحصول الخلو كما مر الإشارة إليه فيما لو دار المقدمة بين المقدور وغير المقدور وسيأتي لهذا زيادة توضيح في المبحث الآتي فإن قلت لا ريب في أن وجود كل فعل من الافعال مانع من حصول الاخر كما هو شأن التضاد فيكون سببا لعدمه كما هو قضية المانعية فإذا حرم الفعل وجب الترك فيجب سببه الذي هو فعل المانع من باب المقدمة غاية الامر أن الأسباب متعددة فيجب الكل على التخيير قلت وجوب الترك إنما يقتضي وجوب ما يستند إليه استنادا فعليا لا ما يستند إليه استنادا شأنيا لما عرفت من تحقيقنا السابق من أن مطلوبية المقدمة للغير إنما تقتضي مطلوبيتها له على تقدير ترتب الغير عليها واستناده إليها لا مطلقا وظاهر أن ترك الحرام إنما يستند بالفعل إلى وجود الصارف دون فعل الضد لسبقه عليه كيف لا وهو من شرائط حصوله فلا يقتضي إلا وجوب الصارف ولا كلام فيه نعم لو فرض التوقف على غير الصارف أحيانا بحيث لا يتمكن من ترك الحرام إلا بالتشاغل بفعل اتجه الحكم بوجوبه كما في الساقط المحاذي لنفس محترمة إذا كان بحيث لا يمكنه التخلص من الوقوع عليها إلا بالتشبث بحبل وشبهه ولا يلزم الدور لتغاير المتوقف من الفعل والترك للمتوقف عليه منهما و كذا لو تمكن منه بدونه لكن كان الصارف فيه ضعيفا بحيث يعلم أو يخاف وقوعه في المحرم اختيارا بدونه لقوة ما يجده في نفسه من الامر الداعي إليه فيجب تقوية الصارف بالمجاهدة أو تضعيف الداعي بما يوجبه من الافعال بحيث يقاومه الصارف الضعيف فيكون الفعل مقدمة بدلية فيجب عليه على وجه التخيير وإلى هذا ينظر قول الفقهاء بوجوب النكاح على من يخاف الوقوع في المحرم بتركه و على هذا لو تعذر في حقه الفعل تعين عليه الاخر من تقوية الصارف بالمجاهدة ولا عذر له في فعل المحرم مع التمكن منه هذا وقد يجاب بأن ترك الحرام لا يختص بالمباح بل قد يتم بالواجب أيضا وبأنه لو صح ذلك لزم أن يكون الحرام واجبا كالقتل لتوقف ترك السرقة مثلا عليه وأن يكون الواجب حراما إذا ترك به واجب آخر ولا يخفى ما في هذه الوجوه أما الأول فلان الواجب المتوصل به إلى ترك الحرام عند هذا القائل أحد أفراد الواجب الغيري وأما الثاني فلان القتل يراعى فيه الجهتان على ما قيل وهو خطأ بل ينبغي تخصيص الدعوى بغير المحرم على ما عرفت في تحرير العنوان وأما الثالث فلان إلزام الكعبي بصيرورة الواجب محرما إنما يتجه عليه إذا التزم بكون الفعل سببا للترك وحينئذ فيلزم تحريم فعل الواجب إذ لا إشكال في تحريم سبب الحرام لكن ربما يفسد مقالته حينئذ بلزوم الدور عليه إذ كما أن وجود السبب سبب لوجود المسبب كذلك عدمه سبب لعدمه كما يدل عليه حدودهم للسبب فإذا كان فعل كل واحد من الضدين سببا لترك الاخر لزم أن يكون ترك الاخر سببا لفعله ولا يخفى ما فيه لمنع الملازمة كما في المانع وأما إذا جعل الفعل مقدمة غير سببية للترك فتوجه المنع عليه جلي إذ لا دليل على تحريم مقدمة الحرام مطلقا ما لم يقصد بها التوصل إليه والتزام التحريم على تقديره مما لا بعد فيه وإن كان مبنى الجواب على أن ترك الفعل مقدمة لفعل ضده فإذا وجب مقدمة الواجب لزم تحريم الواجب في الفرض المذكور فهذا مع ما فيه كما سننبه عليه في مبحث الضد غير وارد على الكعبي لان التزامه بتوقف ترك أحد الضدين على فعل الاخر لا يوجب التزامه بتوقف فعله على تركه ولو فرض التزامه به لكان إلزامه بشناعة الدور اللازم على هذا التقدير أولى من إلزامه بتحريم فعل الواجب ولو أورد هذان الوجهان على الوجه الثاني من الحجة لكان أولى كما لا يخفى وعن الوجه الثاني بعد تسليم الاستلزام أن دعوى امتناع اختلاف حكم المتلازمين مما لم يساعد عليه عقل ولا نقل فإن زعم أن الأحكام الخمسة متضادة وأن اجتماع اثنين منها في المتلازمين يوجب اجتماع الضدين وأنه محال ففساده واضح لان الممتنع إنما هو اجتماع الضدين في محل واحد لا في محلين وإن كانا متلازمين وإن اعتبر التضاد من حيث اجتماعهما في المكلف صدورا أو في المكلف تعلقا فهو أيضا واضح الفساد إذ لا فرق في ذلك بين المتلازمين وغيرهما فيلزم أن لا يصدر من مكلف واحد حكمان في زمان واحد أو لا يتعلقا بمكلف واحد كذلك وهو باطل بالضرورة وإن زعم أن الحكم يتسرى من أحد المتلازمين إلى الاخر كالمقدمة لأنه لو وجب أحدهما ولم يجب الاخر لجاز تركه لكن تركه غير جائز لأنه يفضي إلى ترك الواجب فمدفوع بأن ذلك بالنسبة إلى الواجب ومقدمته متجه وأما بالنسبة إلى غيره فلا إذ لا توقف للواجب عليه وقصارى ما هناك أنه يصدر عن المكلف عند صدور الواجب عنه وذلك لا يفيد وجوبه لا يقال إباحة الفعل عند تحريم لازمه سفه إذ لا يترتب عليها فائدتها فلا تقع من الحكيم وحينئذ فلا بد من القول بتسري حكم لازمه إليه أو يلتزم بخلوه من جميع الأحكام نظرا إلى صيرورته بالنسبة إلى تكليفه كالممتنع فلا يصلح لتعلق حكم به لأنا نقول إن فعل ملزوم الحرام وتركه عند عدم توقفه عليه متساويان بالنسبة إلى نفسه وهو ظاهر و كذا بالنسبة إلى لازمه إذ لا توقف له عليه ولا نعني بالمباح إلا ذلك ويترتب عليه ثمرته من عدم ترتب مدح ولا ذم عليه

Bogga 89