الاحكام بمطلق الاحكام كانت مخرجة من العلم مطلقا للعلم بما عداها من الاحكام التي ليست شرعية فيكون قيد الشرعية حينئذ مستدركا ويخرج بقيد الشرعية على تقدير حمل الاحكام على غير الاحكام غيرها كالعقلية المحضة وبقيد الفرعية الأصولية وبقولنا عن أدلتها علم الله وعلم الملائكة والنبي صلى الله عليه وآله والأئمة والفرعية الضرورية إذ ليس شئ منها مستفادا من الأدلة كذا قالوا أقول وهذا الاحتراز إنما يصح إذا حمل العلم على غير الملكة من التصديق أو الادراك وفسرا بالمعنى الأعم لا بمعناه المصطلح عليه عند أهل الميزان وأما إذا حمل على الملكة كما صرحوا به فإن فسرت بمجرد التهيؤ و الاستعداد كان علمه تعالى خارجا عن أصل الحد وكذا إذا حمل على التصديق أو الادراك وفسرا بالمعنى المصطلح عليه عند أهل الميزان لأنهم يعنون بهما ما يختص بالحصول وكذلك علم الملائكة على ما يراه الفلاسفة وإن اعتبر معه أن يكون ناشئا عن الممارسة والمزاولة كان علم الأنبياء والأئمة والملائكة والعلم بالأحكام الضرورية خارجا عنه أيضا وعلى التقديرين لا يكون هذا القيد احترازا عن الجميع اللهم إلا أن يحمل العلم على الأعم من التهيؤ والعلم الفعلي وهو بعيد جدا لا يساعد عليه كلماتهم ثم الوجه في الاحتراز بهذا القيد عن الفرعية الضرورية مطلقا غير واضح لان عدم استفادتها عن الأدلة كما عللوا به إنما يوجب بظاهره فساد الحد حيث يقتضي أن يكون العلم بجميع الاحكام عن الأدلة بناء على حملها على العموم كما هو الظاهر مع أنه ليس كذلك ولا مخلص عنه إلا بأن يقال أخذ هذا القيد في الحد قرينة على أن المراد بالأحكام خصوص الاحكام النظرية فتكون الضرورية خارجة عنها بقيد الاحكام لكنهم اعتبروا الاحتراز عنها فيه دونها نظرا إلى أن الدلالة المذكورة لما كانت بالقرينة فهي إنما تتم عند ذكرها فأسندوا الاحتراز إلى القيد مراعاة لهذا الاعتبار ثم إذا فسر العلم بما يدخل فيه بعض تلك العلوم أو كلها صح الاحتراز عنها بهذا القيد سواء جعل الظرف لغوا متعلقا بالعلم كما هو الظاهر بحمله على التصديق أو الادراك دون الملكة إذ الملكة لا تكون عن الأدلة بل عن الممارسة والمزاولة ووجه الاحتراز حينئذ أن تلك العلوم غير مستفادة من الدليل أما علمه تعالى فظاهر وأما علم الملائكة والنبي صلى الله عليه وآله والأئمة فلأنهم يستفيدون الاحكام من الوحي والالهام لا من النظر والاجتهاد كما يقول به المخالفون في الأئمة ويقول به بعضهم في النبي صلى الله عليه وآله أيضا وأما ما يستفاد من بعض الاخبار من أنهم عليهم السلام يستفيدون بعض الأحكام من الكتاب والسنة فغير مناف لذلك لان استفادتهم لها منها ليس على سبيل النظر والفكر بل على سبيل الضرورة والبداهة و الذي يقتضيه الحد أن يكون العلم بها عن الأدلة من حيث كونها أدلة كما هو الظاهر من التعليق على الوصف فإن قلت قد شاع إطلاق الفقيه عليهم عليهم السلام في الاخبار فكيف يصح الاحتراز عنه في الحد قلت كلامنا هنا في الفقه بحسب معناه المصطلح عليه في عرفنا و إطلاق الفقيه عليهم عليهم السلام إنما هو بحسب عرفهم أو متعلقا بالأحكام بحملها على التصديقات لا غير فيكون العلم حينئذ بمعنى الملكة لا غير سواء فسرت بمطلق التهيؤ أو بما يكون عن الممارسة لكن الاحتراز بها إنما يصح على الوجه الأول ووجهه حينئذ أن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة والملائكة لا يوجد فيهم تهيؤ التصديق عن الدليل لا لقصورهم بل لعلو رتبتهم عليهم السلام حتى إنهم متى هموا بحكم علموه من غير توسط الاستدلال وكذلك الاحكام الضرورية فإن الفقيه متهيئ للعلم بها عن الضرورة لا عن الدليل أو جعل مستقرا صفة أو حالا للعلم أو للأحكام وما يقال من أن الظروف في حكم النكرة فلا يصلح وصفا للمعارف فليس بمرضي على إطلاقه لان الموصوف إذا لم يكن مدلوله أمرا بعينه كما في المقام جاز وصفه بالنكرة وإن كان معرفا لفظيا على ما صرح به غير واحد منهم كصاحب الكشاف حيث جعل غير المغضوب صفة للموصول معللا بأنه لا توقيت فيهم وجملة يحمل صفة للحمار وجملة لا يستطيعون صفة للمستضعفين إلى غير ذلك ووجه الاحتراز حينئذ أما على الوجهين الأولين فظاهر لان العلوم المذكورة ليست حاصلة عن الأدلة كما هو قضية ظاهر الوصفية والحالية وأما على الوجهين الأخيرين فلان تعليق الحكم على الوصف يشعر بقيد الحيثية التعليلية فيخرج به تلك العلوم فإنه وإن صدق عليها أنها علم بالأحكام الحاصلة عن الأدلة أو حال كونها حاصلة عنها لكنه ليس علما بها من حيث كونها حاصلة عن الأدلة لكن يشكل البناء على هذا في الاحتراز عن علم المقلد بالقيد الآتي كما سنشير إليه وكذا إذا جعل الظرف مرتبطا بالشرعية أو بالفرعية على بعد فيه سواء جعل متعلقا بهما أو صفة لهما أو حالا عنهما ووجه الاحتراز به على هذه الوجوه ما مر في الوجهين الأخيرين لا يقال لا نسلم خروج علمه تعالى على تقدير دخوله بالقيد المذكور لأنه لما كان علمه تعالى بالأشياء على الوجه الأتم لزم أن يعلمها بعللها إذا كانت معللة أو يقال لما كان علمه تعالى الأشياء لعلمه بذاته الذي هو سبب العلم بمعلولاته فعلمه يكون عن الدليل فلا يخرج عن الحد بالقيد المذكور لأنا نقول بعد المساعدة على الدعوى في المقامين أن ذلك لا يسمى دليلا بحسب الاصطلاح كما مر فإن قلت لا نسلم خروج الاحكام الضرورية بهذا القيد إذ المراد بكونها ضرورية أن العلم بصدورها عن الرسول صلى الله عليه وآله ضروري لا أن العلم بكونها أحكاما صحيحة حقة متلقاة من الوحي ضروري كيف وهو مبني على إثبات الرسالة وهو يتوقف على إثبات المرسل وعدله و حكمته وغير ذلك من الأمور النظرية التي ذكرت في محلها والفقه إنما هو العلم بالأحكام بهذا الاعتبار فتكون بأسرها نظرية لابتنائها على أمور نظرية قلت أما أولا فلا نسلم أن العلم بصدق الرسول نظري بل من الضروريات التي قياساتها معها كما زعمه بعضهم وسننبه عليه في مسألة الحسن والقبح إن شاء الله تعالى ولهذا نراه يحصل للبله والصبيان ونحوهم ممن ليس لهم قوة النظر و الاكتساب نعم من سبق ذهنه بشبهة يكون العلم المذكور عنده نظريا فالاشكال المذكور لو تم فإنما يتجه بالنسبة إليه دون غيره وأما ثانيا فلنا أن نختار أن المراد بالأحكام الشرعية الاحكام التي صدرت
Bogga 5