دعوى دخوله فيه فمخالف لما ذكروه من أن المجاز إن كان علاقته المشابهة فاستعارة وإلا فمجاز مرسل ولما ذكروه في حد الاستعارة من أنها المجاز الذي يكون علاقته المشابهة أو أنها الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له بعلاقة المشابهة إلى غير ذلك وإن أرادوا أن هذا النوع من العلاقة أعني المشابهة لا تعتبر إلا حيث يتحقق الادعاء المذكور ففساده ظاهر لان علاقة المشابهة لا تقصر عن سائر العلاقات في حصول المناسبة المصححة للاستعمال بها فكما يصح إطلاق القرية على أهلها والغيث على النبات مثلا لما بينهما من المناسبة الناشئة من الحلول والسببية من غير أن يقع هناك دعوى دخول أحدهما في جنس الاخر كذلك يصح إطلاق اللفظ على مشابه معناه نظرا إلى الارتباط الحاصلة بينهما من المشابهة من غير حاجة إلى دعوى دخول أحدهما في جنس الاخر بل المشابهة أقوى في حصول العلاقة والارتباط بها فهي أولى بأن يصح التعويل عليها بمجردها الذي يدل على ذلك القطع بصحة إطلاق الانسان مثلا على الصورة المنقوشة بعلاقة المشابهة وإن لم يتعلق الغرض بادعاء المذكور نعم كثيرا ما يتعلق الغرض بالادعاء المذكور إذا كان المقام مقام مبالغة على ما عرفت تحقيق القول فيه هذا إذا كان لفظ الاستعارة اسم جنس وأما إذا كان علما شخصيا فالادعاء المذكور لا يتأتى فيه قطعا وذلك أن قول القائل رأيت اليوم حاتما يحتمل وجوها أحدها أن يكون تشبيها بتقدير سائر أركانه لكنه بعيد كما مر الثاني أن يكون استعارة للمرئي بعلاقة المشابهة الثالث أن يكون استعارة على دعوى أنه الشخص المعروف وهذا هو الظاهر من مقام المبالغة الرابع أن يكون بمعنى الجواد المطلق فيكون مجازا مرسلا الخامس أن يكون مستعملا في معنى الرجل الجواد المشبه بحاتم فيكون استعارة والوجوه المحتملة لا تزيد على الخمسة وليس المشبه في شئ من هذه الصور داخلا في المشبه به أما في الثلاثة الأول فظاهر وأما في الصورة الرابعة فلعدم اعتبار المشابهة وأما في الخامسة فلان المشبه هو الرجل الجواد وهو غير داخل في حاتم إذ لا يصدق حاتم عليه وعلى غيره وأما ما ذكره التفتازاني في تحقيق كلامهم فليس بشئ لأنه بعد التأويل في وضع اللفظ بأن يجعل الأسد كأنه موضوع للشجاع وحاتم كأنه موضوع للجواد إن استعمل في هذا المعنى التأويلي كان مجازا مرسلا لا استعارة كما مر وأيضا لا وجه حينئذ لجعل الرجل الشجاع والرجل الجواد من الافراد الغير المتعارفة بل هما بعد التأويل من الافراد المتعارفة قطعا إلا أن يراد بها ما يتعارف إطلاق اللفظ عليها مطلقا وعند عدم القرينة و هو تكلف بين وإن أراد أنه إنما استعمل بعلاقة المشابهة وأن التأويل المذكور إنما هو لدخول المشبه في المشبه به ففساد ظاهر إذ لا فائدة حينئذ في اعتبار التأويل هذا إذا كان المذكور لفظ المستعار منه وهو المعبر عنه بالاستعارة المصرحة وأما إذا كان المذكور لفظ المستعار له ويعبر عنه بالاستعارة بالكناية كما إذا أطلق المنية على الموت بادعاء السبعية لها ودل عليه بإثبات ما هو من خواص السبع لها من الأنشاب والأظفار ونحوهما فقد زعم السكاكي أنه من المجاز اللفظي لان المنية في الفرض المذكور لم يطلق إلا على السبع بادعاء السبعية لها ورده غيره بالقطع بأن لفظ المنية لم تطلق إلا على المنية ودعوى السبعية لها لا يخرجها عن كونها مستعملة في معناها فلا يكون مجازا وظني أن السكاكي يدعي أن لفظ المشبه قد أخذ بمعنى المشبه به مجازا وأطلق على المشبه كإطلاق الانسان بمعنى الضاحك على الانسان فيكون مجازا لا غير و الذي ينبه على أنه أراد ذلك دعواه الترادف بين لفظ المنية والسبع وقوله إنهما موضوعان لمعنى واحد والقوم لما غفلوا عن هذه الدقيقة أخذوا في الاعتراض عليه بما لا مساس له بكلامه نعم يرد على السكاكي أن ذلك تعسف لا يساعد ظاهر الاستعمال عليه ثم قد يكون قرينتها استعارة تخييلية كما مر من إثبات الأظفار للمنية فإن المراد بها معناه الحقيقي ودعوى السكاكي أنها استعارة لصورة وهمية في المنية فيكون من أقسام الاستعارة التصريحية مما لا وجه له وقد يكون استعارة تصريحية كما في قوله تعالى ينقضون عهد الله فإنه لما نزل العهد منزلة الحبل نزل إبطاله منزلة نقضه فالتنزيل الثاني قرينة على التنزيل الأول تتمة المعروف بينهم أن المجاز كما يكون في المفرد على ما سبق بيانه كذلك يكون في المركب وحده استعمال المركب أو المركب المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بينهما وإن كانت العلاقة مشابهة سميت استعارة تمثيلية أيضا كقولهم للمتردد في أمر أراك تقدم رجلا وتأخر أخرى فيصح فيه أن يلاحظ ما يلزم من يقدم رجلا ويؤخر أخرى عادة من التردد وعدم ثبات الرأي فيطلق عليه الألفاظ الموضوعة بإزاء ملزومه بعلاقة اللزوم فيكون مجازا مركبا وأن يشبه حالة إقبال المخاطب المتردد على الامر تارة وإدباره عنه أخرى بحالة من يتردد في سلوك طريق فيقدم رجلا ويؤخر أخرى بجامع التردد وعدم الثبات والتداني إلى المقصود تارة والتباعد عنه أخرى فيكون استعارة تمثيلية أيضا ثم إنهم بنوا أمر المجاز المركب على ثبوت الوضع للمركبات فالتزموا القول بأن المركبات موضوعة بإزاء المعاني المركبة كما أن المفردات موضوعة بإزاء المعاني المفردة وخالف في ذلك العضدي فأنكر المجاز المركب رأسا وخصه بالمفرد محتجا عليه بأن المركبات لا وضع لها فلا يتطرق التجوز إليها إذ التجوز من توابع الوضع والحق ما ذهب إليه الأكثرون من ثبوت المجاز في المركب لكنه عندي لا يبتني على أن يكون للمركب وضع مغاير لوضع مفرداته كما زعموه بل يكفي فيه مجرد وضع مفرداته لمعانيها الافرادية فإن كل مفرد من المفردات إذا دل على معناه الافرادي بالوضع فقد دل المركب منها على المركب منه بالوضع إذ المراد بالمعنى المركب هو نفس مداليل المفردات المشتملة على النسبة كما أن
Bogga 27