بل لعلاقة الاشتراك في المطلوبية وتحقيقه أن السامع ينزل ما هو مطلوب عنده واقعا من الجبة والقميص منزلة ما فرضه السائل مطلوبا له من الشئ المطعوم الذي واعده على بذله بدليل نسبة الطبخ إليه فهو يدعي اتحادهما في الجنس قصدا إلى إلزام المخاطب على حسب ما التزم به وعلى هذا فكل من الجبة والقميص استعارة بالكناية لعلاقة الاشتراك في وصف المطلوبية وهي وإن كانت في نفسها ضعيفة لكنها تقوى بالنكتة المذكورة أعني ترتب الالزام بالفعل المطلوب ونسبة الطبخ حينئذ إلى الجبة والقميص من قبيل نسبة النقض إلى العهد فتكون استعارة تحقيقية واعلم أن من جملة العلائق علاقة الاستعمال ولم أقف على من تنبه لذلك وهي أن يستعمل اللفظ الموضوع لمعنى في معنى آخر لا يكون بينهما في نفسهما علاقة معتبرة لكن ينضم إليهما بحسب بعض الموارد نكات وخصوصيات تحققها فيها كما مر في إطلاق الطبخ على الخياطة فيستعمل فيها في المعنى الاخر مجازا فيتحقق من جهة الاستعمال هناك ولو بعد التكرير علقة يصح معها الاستعمال فيه وإن تجرد عن تلك النكتة و الخصوصية فإن الاستعمال كما قد يوجب النقل كذلك قد يوجب تحقق العلاقة المعتبرة وكثيرا ما يوجب الاستعمال تكميل العلاقة الناقصة على حذو ما مر ولهذا ترى أن التجوز قد يصح في لفظ ولا يصح في مرادفه كما في الرقبة فإنها تطلق على العبد والجيد يرادفها و لا يطلق عليه وأما ما يتخيل من أن المجاز قد يصح بدون العلاقة إذا نص الواضع على الرخصة في بعض الموارد بدونها ويجعل منه التجوز في جملة من معاني الحروف حيث لا علاقة بينها وبين معانيها الأصلية فيظهر ضعفه مما قررناه مضافا إلى مخالفته لاجماع القوم حيث اعتبروا العلاقة المعتبرة في صحة المجاز وإن لزم مخالفتهم على الأول في عدم اختصاص العلاقة المعتبرة بتحققها بين المعنيين و الامر فيه سهل ثم اعلم أن الأكثر لم يبالغوا في في حصر أنواع العلاقة وضبطها كما يشهد به تصفح كتبهم وكان ذلك تنبيه منهم على أن المعتبر في العلاقة إنما هو تحقق المناسبة التي يقبل الطبع إطلاق اللفظ الموضوع لأحدهما على الاخر وأن الوجوه المذكورة من مظانها وهذا هو التحقيق الذي ينبغي تنزيل كلماتهم عليه و أما ما سبق إلى بعض الأوهام من أن الواضع قد اعتبر هذه الأنواع من حيث الخصوص وأن أهل اللغة قد نقلوها فليس لنا التعدي عما نقلوه ففي غاية السقوط للقطع بأن ليس هناك نقل ينتهي إلى الواضع و لا ادعاه أحد وإنما القوم تصفحوا كلمات العرب فوجدوهم يطلقون بعض الألفاظ على ما يناسب معانيها الأصلية فعمدوا إلى تلك المناسبة فوجدوها في موضع مناسبة المشابهة وفي آخر مناسبة السببية إلى غير ذلك فعبروا عن كل باسم يخصه ثم إنهم إن أرادوا بذلك ما ذكرناه فلا كلام وإن أرادوا أن الواضع قد اعتبر هذه العلاقات بخصوصها كما نسبه التفتازاني إليهم مدعيا عليه الوفاق فمجرد الاستعمال لا يساعدهم على ذلك وليس لهم مستند سواه على أنه لو اعتبر هذه الأنواع على الخصوص فإن كان على الاطلاق لزم الاطراد والضرورة قاضية بعدمه وأما ما اعتذر به عنه بعضهم من أن عدم الاطراد في بعض الموارد لمانع خارجي كنصهم بالمنع أو لخصوصية المحل أو عدم اكتفاء الواضع في مثل الصورة الممنوعة بتلك العلائق فضعفه واضح أما الأول فلان الموارد الممنوعة مع اشتمالها على موارد مستحدثة مما لا حصر لها فيتعذر النص عليها والضبط لها على الخصوص وليس هناك قاعدة كلية يمكن معرفتها بالرجوع إليها سوى ما ذكرناه مع أن موارد الرخصة أقل منها فهي بالنص عليها أولى وأما الأخيران فلان الفرض إطلاق الوضع والرخصة وتأثير المحل فيه غير معقول ودعوى عدم اكتفاء الواضع لا يلائم الاطلاق المدعى وإن اعتبروها بشرط كونها بحيث يقبل الطبع إطلاق لفظ أحدهما على الاخر فاعتبار قبول الطبع مغن عن اعتبار خصوصية الموارد فيلغو اعتبارها وإن اعتبروها في الجملة لزم القول بتوقفه على النقل وقد أشرنا إلى فساده فظهر مما حققنا أن المعتبر في العلاقة المصححة للتجوز هي المناسبة التي يقبلها الطبع سواء وجدت في ضمن إحدى العلاقات المذكورة أو في غيرها والعلاقات المذكورة إنما تعتبر إذا تضمنت هذه المناسبة لا يقال فعلى هذا يلزم الدور لان استحسان الطبع كان دورا لأنا نقول لا يتوقف استحسان الطبع على رخصة الواضع بل على تحقق العلاقة ولهذا يمكن الحكم بحسن مجاز مع الشك في جوازه ثم المدار في الطبع على طبع أهل الاستعمال وهذا قد يختلف باختلاف الطباع و لهذا يرى أن بعض المجازات المعتبرة في اللغة العربية لا يستحسن في مرادفاتها من لغة أخرى ثم اعلم أن العلائق المعروفة إنما تعتبر إذا كانت بين المعنى المجازي وبين المعنى الموضوع له فلا تعتبر إذا كانت بينه وبين معنى مجازي آخر إلا إذا كانت بحيث توجب العلاقة بينه وبين المعنى الحقيقي فتعتبر من هذه الحيثية ولهذا تراهم يمنعون سبك المجاز من المجاز والدليل عليه عدم مساعدة الطبع أو الرخصة على الاعتداد بمثل تلك العلاقة لبعدها عن الاعتبار تنبيه التحقيق عندي أنه لا حاجة في المجاز إلى الوضع والرخصة بل جوازه طبعي مبني على المسامحة والتأويل في الوضع الأصلي حيثما يتحقق بين المعنيين علاقة معتبرة عند الطبع وإن كان وقوع الاستعمال في بعضها مما يوجب تأكد العلاقة أو تعميم مواردها فإن الضرورة قاضية بأن من وضع لفظا بإزاء الشمس جاز إطلاقه على وجه يشابه الشمس في الحسن والبهاء بملاحظة وضعه للشمس وإن قطع النظر عن كل اصطلاح إلى غير ذلك وهذا في الاستعارة ظاهر و في غيرها لا يخلو من نوع خفاء ولا يلزم من ذلك خروج المجازات عن كونها عربية إذ يكفي في النسبة توقفها على أوضاع عربية وابتنائها عليها وكذلك نسبة المجاز إلى سائر اللغات و الاصطلاحات فصل قد عرفت أن المجاز قد تكون علاقته المشابهة وقد تكون غيرها وقد اصطلح علماء البيان على تسمية النوع الأول استعارة والثاني مجازا مرسلا وفي المقامين أبحاث يناسب المقام إيرادها فنقول ذهب الجمهور إلى أن الاستعارة مجاز لغوي بمعنى أن التصرف في أمر لغوي بدليل أنها موضوعة للمشبه به لا المشبه ولا الأعم منهما و قد استعملت
Bogga 25