الفساد وأيضا يلزم أن يكون جميع الألفاظ الموضوعة مشتركة وهو مما لم يقل به أحد ولا بالطبع سواء أريد به طبع اللفظ أو اللافظ أو السامع والوجه ظاهر ولا بالعقل على ما يذهب إليه الوهم لأنه إن أريد أن دلالة اللفظ على إرادة اللفظ منه عقلية فظاهر الفساد إذ لا ملازمة ولا اطراد كما هو شأن العقليات وإن أريد أن دلالة اللفظ على نفس اللفظ عقلية فممنوع أما في الصورة الأولى فلان تصور الشخص مطلقا لا يستلزم تصور نوعه أو صنفه وأما في الصورة الثانية فلظهور أن لا ملازمة بين تصور لفظ وتصور لفظ مماثل له و هذا مما لا سترة عليه اللهم إلا أن يفسر الدلالة العقلية بمعنى آخر على أن مجرد الدلالة لا يصحح الإرادة وإلا لجاز أن يقال ديز متكلم و بيز قائم لدلالتهما على اللافظ الموصوف بتلك الصفتين وفساده مما لا يخفى على أحد بل الحق أن هذه الدلالة أنما تستفاد من اللفظ بواسطة قرائن مقامية أو مقالية كما في المجاز فإن قولك اسم أو فعل أو مبتدأ أو نحو ذلك قرينة ظاهرة على أن المراد بزيد أو ضرب مثلا نفس اللفظ دون المسمى والمعنى ولهذا تجد أن الذهن لا ينصرف إليه إلا بعد ملاحظة القرينة والمجوز لهذا النوع من الاستعمال أنما هو العقل والطبع نظرا إلى وجود المناسبة الصورية بينهما أعني المشابهة اللفظية وهذا نظير ما نقول به في باب المجاز على ما سيأتي لا يقال يجوز أن يكون الدال على اللفظ في قولك زيد مبتدأ مثلا مقدر أو يكون الغرض من ذكر زيد تعيين المشار إليه فقط و يكون الكلام في قوة قولنا زيد هذا اللفظ مبتدأ لأنا نقول هذا تعسف ظاهر والوجدان أن يشهد على أن زيدا في الكلام المذكور هو المبتدأ والدال دون المقدر وزعم العلامة التفتازاني أن هذه الدلالة لم تنشأ عن وضع قصدي ليلزم الاشتراك في كل لفظ موضوع بل إنما نشأت من الاصطلاح والاتفاق حيث جرت طريقتهم على إطلاق الألفاظ وإرادة أنفسها وفيه نظر لأنه إن أراد أنهم اتفقوا أولا على هذا الاستعمال غلطا ثم صح الاستعمال لاتفاقهم فهو غلط لا يلتزم به أحد وإن أراد أنه قبل الاتفاق كان هناك ما يصحح الاطلاق ثم إنه زال بعد وقوع الاتفاق أو غلب عليه أثر الاتفاق فمدفوع بأن الاتفاق لم يتحقق إلا بالنسبة إلى بعض الألفاظ وهذه الدلالة متحققة بالنسبة إلى الجميع و احتمال أن يكون الاستعمال في البعض المتفق عليه على وجه ينشأ منه وضع نوعي مع بعده جدا مما لم يساعد عليه وجدان ولا برهان فانقدح مما ذكرناه من أن هذه دلالة بالقرينة ما اشتهر بينهم من انحصار الدلالات في العقلية والطبعية والوضعية إلا أن تفسر العقلية بما لا يكون للوضع والطبع مدخل فيه فتدخل فيها وكذلك ينقدح حصرهم للاستعمال الصحيح في الحقيقة والمجاز لخروجها عن حد الحقيقة وهو ظاهر وكذا عن حد المجاز إذ قد لا يكون له معنى وضع له مع أنهم أرادوا بالعلاقة العلاقة التي تكون بين المعنى الحقيقي و المستعمل فيه كما يفصح عنه كلماتهم وظاهر أنها غير متحققة في المقام فصل حكي عن سليمان بن عباد الصيمري القول بأن دلالة الألفاظ على معانيها ذاتية إذ لو كانت وضعية للزم الترجيح من غير مرجح وقد يعزى إليه القول بأن الوضع لمناسبة ذاتية وإلا لزم الترجيح من غير مرجح ووافقه على ذلك بعض من تأخر عنه وأنكره الأكثرون فجعلوا الدلالة وضعية والوضع مجردا عن مناسبة ذاتية واحتجوا عليه بأنه لو كانت الدلالة أو الوضع لمناسبة ذاتية لامتنع اشتراك لفظ بين الضدين لان ما يناسب أحدهما لا يناسب الاخر والتالي باطل لاشتراك القر بين الحيض والطهر والجون بين الأسود والأبيض و غير ذلك كالغابر للزمان الماضي والمستقبل بنص أهل اللغة وشهادة العرف والحق أن مستند القولين ضعيف أما الأول فلجواز أن يكون المرجح أمرا آخر غير المناسبة الذاتية لعدم انحصاره فيها وأما ما أجاب به المنكرون من أن إرادة الواضع مرجحة فهو بظاهره مبني على القول بجواز الترجيح من غير مرجح والحق خلافه وأما الثاني فلجواز أن يشترك الضدان في معنى ذاتي يكون بينه وبين اللفظ المشترك مناسبة ذاتية أو يكون للفظ جهتان ذاتيتان يناسب بكل منهما كلا منهما فالتحقيق أن القائل بالمناسبة الذاتية إن أراد أن دلالة الألفاظ في موارد الاستعمال ذاتية أو أنها ملحوظة عند كل واضع ففساده أجلى من أن يحتاج إلى البيان إذ يشهد ببطلانه صريح الوجدان على أنه لو تم الأول لزم أن لا يجهل أحد شيئا من اللغات ولو تم الثاني لامتنع النقل والهجر لامتناع تخلف ما بالذات عنها وإن أراد أن هناك مناسبات خفية لا يطلع عليها إلا الأوحدي من الناس أو ادعى ذلك بالنسبة إلى بعض الألفاظ أو اللغات الأصلية فهذا وإن لم يقم دليل عليه ظاهرا إلا أنه لا دليل على فساده لا سيما إذا قلنا بأن الواضع هو الله تعالى أو أن الوضع بإلهامه هذا ثم اختلف القائلون بالوضع في تعيين الواضع فذهب الأشعري و جماعة إلى أنه الله تعالى وذهب أصحاب أبي هاشم إلى أنه البشر إما واحد أو أكثر وأن التعريف حصل بالإشارة والترديد بالقرائن وذهب أبو إسحاق الأسفرايني إلى أن القدر الضروري يعني المحتاج إليه في الاصطلاح من الله تعالى والباقي من البشر احتج الأولون بأمرين الأول قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها وجه الدلالة أن المراد بالأسماء إما معناها الأصلي أعني العلامات فيتناول الألفاظ لكونها علامة لمعانيها والتعليم فرع الوضع أو معناها العرفي أعني ما يقابل الافعال والحروف فيدل على وضعه لها بتقريب ما مر على وضعه لهما لتعسر أداء المراد بها غالبا بدونهما ولعدم قائل بالفصل ويرد عليه أن حمل الأسماء على معناها العرفي باطل لتأخره عن ورود الآية وحملها على العلامات لا يتناول الألفاظ إلا على تقدير ثبوت كونها علامة فعلية بالنسبة إلى حال التعليم كما هو أحد الاحتمالين في جميع الوصف المعرف وهو في محل المنع وقد يجاب بأن المراد بالتعليم إلهام الحاجة إلى الوضع والاقدار عليه أو بأن المراد بالأسماء صفات الحقائق وخواص الطبائع أو بأنه على تقدير تعليمه تعالى لا يلزم كونه تعالى واضعا لجواز سبق الوضع من مخلوق سابق و يضعف الأول
Bogga 23