في الأموي! (١)
ثم انصرف الناس إلى تنظيف الجامع، وكان ما اجتمع من الأنقاض المتراكمة كأنه تل عظيم. وتناوبوا على تنظيفه، يشتغل أهل كل محلة يومًا، يجيئون جميعًا؛ كهولهم وشبابهم، أغنياؤهم وفقراؤهم، يعملون بأيديهم إيمانًا واحتسابًا، ينقلون التراب والحجارة، ويتسابق الأغنياء إلى إطعامهم، فيتكفّل أغنياء الحي بإعداد الطعام للعاملين فيتغدّون في المسجد، فكان ذلك مظهرًا رائعًا للأخوّة والبذل، وغدا الناس كأنهم أسرة واحدة، يعملون جميعًا في بيت الله وينزلون ضيوفًا عليه.
وكان الكشف، وقُدِّرت نفقات البناء بسبعين ألف ليرة ذهبية. ولو أنّا نظرنا إلى القوّة الشرائية لكل ليرة وجعلنا الخبز مقياسًا فحسبنا سعره يومئذ وسعره اليوم لرأينا المبلغ يعادل عشرين مليون ليرة من نقد هذه الأيام. قدّمها الدمشقيون من أموالهم، وبنوا البناء القائم اليوم بأيديهم من غير أن يشرف عليه مهندس يحمل شهادة من أوربا، فكان المسجد الأموي العظيم أثرًا دمشقيًا لعهد يقولون إنه كان عهد تأخّر وظلام!
* * *
_________
(١) انظر خبر هذه الواقعة كما رُويت هنا (مع زيادات عليها) في كتاب علي الطنطاوي «الجامع الأموي»، فصل «الحريق الأخير» (مجاهد).
1 / 40