Fanka Iiraani ee Xilliga Islaamka
الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي
Noocyada
إن أعظم المخطوطات القديمة شأنا من الوجهة الفنية، هي المصاحف التي كانت تكتب بين القرنين الرابع والسادس بعد الهجرة (العاشر والثاني عشر بعد الميلاد) والتي كانت تذهب وتزين بأدق الرسوم وأبدعها؛ ولا غرو فقد كان الفنانون الذين يزينون الصفحات المكتوبة أرفع الفنانين قدرا بعد الخطاطين أنفسهم، وكان المذهب أعظم أولئك الفنانين شأنا. وحسبنا دلالة على علو مكانته أن كثيرين من المصورين كانوا يضيفون إلى أسمائهم لفظ «مذهب»، وأن المؤرخين كانوا يعنون بالنص على أن بعض المصورين كانوا مذهبين أيضا.
وقد أشرنا إلى مكانة المذهب بين الفنانين الذين كانوا يتعاونون على جعل المخطوط الإيراني تحفة فنية بديعة. وأكبر الظن أن الخطاط كان يتم عمله قبل كل شيء، ولم يكن يفوته أن يترك الفراغ الذي يطلب منه في بعض الصفحات لترسم فيه الصور المطلوبة بعد ذلك. وقد وصلنا بعض مخطوطات لم تتم بها الرسوم في كل الفراغ المتروك، وكان المخطوط يسلم بعد ذلك إلى فنان أخصائي في رسم الهوامش وتزيينها بالزخارف، ثم إلى آخر لتذهيب هوامشه وصفحاته الأولى وصفحاته الأخيرة وأوائل فصوله وعناوينه وغير ذلك من الزخارف المتفرقة. وفي الحق أن الرسوم النباتية والهندسية المذهبة كانت تصل في المخطوطات الثمينة إلى أبعد حدود الإتقان، ولا سيما في القرنين التاسع والعاشر بعد الهجرة (نهاية القرن الخامس عشر وفي القرن السادس عشر بعد الميلاد) حين بلغت الغاية في الاتزان والدقة وتوافق الألوان.
ولا ريب في أن تعظيم القرآن كان يبعث كثيرين من الفنانين على العناية بتذهيب المصاحف. وكان لتذهيب المخطوطات صلة وثيقة بكتابتها بالخط الجميل، فعني القوم بهذا الفن، وذهب بعضهم إلى القول بأن الإمام علي بن أبي طالب هو أول من ذهب مصحفا، وبأن كثيرين من الأمراء وعلية القوم نسجوا على منواله ؛ فأتيح للخطاط المشهور محمد بن علي الراوندي ( ∆
في نهاية القرن السابع الهجري والثالث عشر الميلادي) أن يفخر بمن تلقى عنه فن التذهيب من الأمراء والعلماء وكبار رجال الدين والأدب. وإذا تذكرنا أن المذهبين كانوا يحتاجون في صناعتهم إلى بعض المواد الثمينة كالذهب وحجر اللازورد والورق الفاخر، أدركنا ما كان لعناية الأمراء والأغنياء من القيمة وعظم الشأن في فن تذهيب المصاحف والمخطوطات.
وليس غريبا أن يصيب الإيرانيون والمسلمون عامة أبعد حدود التوفيق في تحلية الصفحات بالرسوم وتذهيبها؛ فإن هذه الفنون الزخرفية تتفق مع ميولهم واستعدادهم، حتى أصبحت زخارف الصفحات المذهبة نماذج تنقل عنها الرسوم في التحف المعدنية والخزفية والجصية وفي المنسوجات والسجاد، وكم توصل مؤرخو الفن - بفضل ذلك - إلى معرفة قسط وافر من تطور الرسوم والزخارف والعصور التي تنسب إليها؛ لأن عددا كبيرا من المصاحف والمخطوطات المذهبة مكتوب في نهايته تاريخ إنتاجه، وربما كان فيه أيضا اسم الخطاط والمذهب أو البلد الذي صنع فيه.
ولم يعد تزيين الصفحات في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) مقصورا على ال«سرلوح» أي الصفحة أو الصفحات الأولى المغطاة بالزخارف المذهبة، وعلى العناوين، وعلى الجامات (المناطق) التي كان يكتب فيها اسم صاحب المخطوط، وعلى النجوم الزخرفية المذهبة التي كانوا يسمون الواحدة منها «شمسة»، بل صارت الهوامش تزين برسوم الزهور والنبات والحيوان، وبالرسوم الآدمية في بعض الأحيان.
أما زخارف الصفحات المذهبة فكانت في البداية خليطا من العناصر الزخرفية الساسانية والبيزنطية والقبطية، فضلا عن الرسوم المنقولة من كتب اليهود وكتب المسيحيين من أتباع الكنيسة الشرقية.
على أن أقدم المخطوطات المذهبة التي يمكن نسبتها إلى إيران نفسها ترجع إلى عصر السلاجقة، وتمتاز باستعمال الورق في معظمها وبأنها مكتوبة بالخط النسخي، وبأنها مستطيلة الشكل، وأن ارتفاعها أكثر من عرضها. ومن الرسوم التي يكثر استعمالها في هذه المخطوطات النجوم المسدسة أو المثمنة، والمراوح النخيلية (البالمت) والفروع النباتية المتصلة (الأرابسك). وقد بدأت في عصر السلاجقة طريقة جديدة في الزخرفة والتذهيب وظلت قائمة في العصور التالية، وقوام هذه الطريقة أن تحاط سطور الكتابة بخطوط دقيقة، وأن تملأ الصفحة خارج هذه الخطوط بمختلف الرسوم النباتية و«الأرابسك».
أما عصر المغول فلعل أبدع مخطوطاته المذهبة جزء من مصحف محفوظ في دار الكتب المصرية. وقد كتب سنة 713ه/1313م بمدينة همذان، للسلطان الجايتو خدا بنده، وبيد خطاط اسمه عبد الله بن محمد بن محمود الهمذاني، وهو من نوع المصاحف الكبيرة الحجم (50 × 40 سنتيمترا) التي كانت تقدم للأضرحة والمساجد، وكان كل جزء منها يكتب في مجلد على حدة. ويمتاز هذا الجزء - كسائر المخطوطات المغولية المذهبة - بالإبداع في الرسوم والألوان؛ فهو غني جدا بالرسوم الهندسية المختلفة من نجوم على أضرب شتى ومن مثمنات ودوائر متشابكة، وغير ذلك من الأشكال المملوءة برسوم النبات والأرابسك. ومما يزيد إعجابنا بهذه الزخارف الهندسية أن الإيرانيين عامة لم يكن لهم فيها مران خاص، بل كانوا يقبلون على سائر العناصر الزخرفية أكثر من العنصر الهندسي، ومع ذلك فقد أتقنوها في هذا المصحف إتقانا عظيما.
واستخدم المذهبون في العصر المغولي اللون الذهبي والأزرق والأحمر والأخضر والبرتقالي، وكانوا يتخذون الأزرق الغامق مركزا تحيط به سائر الألوان.
Bog aan la aqoon