حديث المائدة
[81] أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم حدثنا أحمد بن يوسف بن تميم البصري ، حدثنا بحر بن نصر الخولاني ، حدثنا عافية بن أيوب ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ، أنه حدث قال : " لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم عليه السلام أن ينزل الله لهم المائدة قال : قام عيسى ابن مريم ، فألقى الصوف عنه ، ولبس الشعر والتحفة ، ووضع يمينه على شماله ، ووضعها على صدره ، وصف بين قدميه ، وألزق الكعب بالكعب ، والإبهام بالإبهام ، وخفض برأسه خاشعا ، ثم أرسل عينيه بالبكاء ، حتى سالت الدموع على لحيته ، وجعلت تقطر على صدره ، وقال : اللهم ، أنزل علينا مائدة من السماء ، تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ، تكون لنا عظة منك ، تكون لنا علامة منك بيننا وبينك ، وارزقنا عليها طعاما نأكله ، وأنت خير الرازقين . قال : فنزلت سفرة حمراء في الهواء ، بين غمامتين ، غمامة فوقها ، وغمامة تحتها ، وهم ينظرون إليها تهوي منقضة في الهواء ، وعيسى يبكي ، ويقول : إلهي ، اجعلنا من الشاكرين ، إلهي ، اجعلها رحمة ، ولا تجعلها عذابا ، إلهي ، كم أسألك من العجائب فتعطيني ، إلهي ، أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبا ورجزا ، اللهم ، اجعلها عافية وسلامة ، ولا تجعلها مثلة ولا فتنة ، حتى استقرت بين يدي عيسى ، والناس حوله يجدون ريحا طيبة ، لم يجدوا مثلها ، وخر عيسى ساجدا ، وخر الحواريون معه ، فبلغ اليهود ذلك ، فأقبلوا عتا وكفرا ، ينظرون فرأوا أمرا عجبا ، وإذا منديل مغطى على السفرة ، وجاء عيسى ، فجلس يقول : من أجرؤنا وأوثقنا بنفسه ، وأحسننا بلاء عند ربه ، فليكشف عن هذه الآية حتى ننظر ، ونأكل ، ونسمي باسم ربنا ، ونحمد إلهنا ؟ قال الحواريون : أنت أولى بذلك يا روح الله وكلمته ، قال : فتوضأ عيسى وضوءا حسنا ، وصلى صلاة جديدة ، ودعا ربه دعاء كثيرا ، وبكى بكاء طويلا ، ثم قام حتى جلس عند السفرة ، إذا سمكة مشوية ليس عليها فلوس ، وليس لها شوك ، تسيل سيلا من السمن ، وقد نصب حولها من البقول ، وإذا عند رأسها خل ، وعند ذنبها ملح وخمسة أرغفة ، على كل واحد منها زيتون ، وخمس رمانات ، وخمس تمرات . قال شمعون رأس الحواريين : يا روح الله وكلمته ، أمن طعام الدنيا ، أم طعام الجنة ؟ فقال عيسى : أو ما استيقنتم ما أخوفني أن تعاقبوا ؟ قال : لا وإله إسرائيل ، ما أردت بما سألتك سوءا يا ابن الصديقة ، قال : نزلت وما عليها من السماء ، ليس شيء مما ترون عليها من طعام الدنيا ، ولا من طعام الآخرة ، وهي وما عليها شيء ابتدعه الله عز وجل بالقدرة الغالبة ، إنما قال له : كن ، فكان ، فكلوا مما سألتم ، واحمدوا عليه ربكم يمدكم ويزدكم ، فإنه القادر البديع لما يشاء ، إذا شاء يقول له : كن فيكون ، قالوا : يا روح الله وكلمته إن أريتنا اليوم آية من هذه السمكة ، فقال عيسى : يا سمكة ، إحيي بإذن الله قال : فاضطربت السمكة طرية ، تدور عيناها ، لها بصيص تلمظ بفيها ، كما يتلمظ السبع ، وعاد عليها فلوسها ، ففزع القوم ، فقال عيسى : ما لكم تسألون الشيء ، فإذا أعطيتموه كرهتموه ، ما أخوفني أن تعبدوا هذه السمكة ، قال : عودي كما كنت بإذن الله . قال : فعادت مشوية في حالها ، قالوا : كن أنت يا روح الله أول من يأكل ، ثم نأكل بعد ، فقال عيسى : معاذ الله ، بل يأكل منها من طلبها وسألها ، ففرق الحواريون أن تكون إنما أنزلت سخطة فيها مثله ، فلم يأكلوا ، ودعا عيسى لها أهل الفاقة ، والزمانة من العميان ، والمجذومين ، والبرص ، والمقعدين ، وأصحاب الماء الأصفر ، والمجانين ، والمخبلين قال : كلوا من رزق ربكم ، ودعوة نبيكم ، فإنه رزق ربكم تكون المهناة لكم ، والبلاء لغيركم ، واذكروا اسم الله ، وكلوا ، ففعلوا فصدر عن تلك السمكة ، والأرغفة ، والرمانات ، والتمرات ، والبقول ألف وثلاث مئة رجل وامرأة ، بين فقير جائع ، وزمن ناقه رغيبا ، كلهم شبعان يتجشأ ، ونظر عيسى ، فإذا ما عليها كهيئته حين نزلت من السماء ، ورفعت السفرة إلى السماء ، وهم ينظرون إليها ، واستغنى كل فقير أكل منها يومئذ ، فلم يزل غنيا حتى مات ، وبرئ كل زمن من زمانته ، فلم يزمن حتى مات ، وندم الحواريون وسائر الناس ممن أبى أن يأكل منها ؛ لما رأوا حسن حالهم حسرة ، فشابت منها أشعارهم قال : فكانت إذا نزلت بعد ذلك أقبلوا إليها صورا من كل مكان يسعون ، يركب بعضهم بعضا ، الأغنياء والفقراء ، والرجال والنساء ، والضعفاء والأشداء ، والصغار والكبار ، والأصحاء والمرضى ، يركب بعضهم بعضا ، فلما رأى ذلك عيسى ابن مريم جعلها نوبا بينهم قال : وكانت تنزل غبا يوما ولا تنزل يوما ، كناقة ثمود ترعى يوما وترد يوما ، فلبثت بذلك أربعين صباحا ، تغب يوما ، وتنزل يوما ، يؤكل منها ، حتى إذا فاء الفيء ، طارت صعدا ، ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارت عنهم ، فأوحى الله عز وجل إلى عيسى عليه السلام أن اجعل مائدتي رزقا لليتامى والزمنى دون الأغنياء من الناس ، فلما فعل ذلك بهم عظم ذلك على الأغنياء ، وأذاعوا القبيح حتى شكوا وشككوا فيه الناس ، فوقعت فيه الفتنة في قلوب المريدين . قال قائلهم : يا روح الله وكلمته ، إن المائدة لحق ، إنها لمنزلة من عند الله . قال عيسى : ويحكم هلكتم ، تيسروا للعذاب إن لم يرحمكم فأوحى الله إلى عيسى أني آخذ بشرطي من المكذبين ، قد اشترطت عليهم أني معذب من كفر منهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، بعد نزولها قال عيسى : إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ، قال : فمسخ الله عز وجل منهم ثلاثة وثلاثين ألفا خنازير من ليلتهم ، فأصبحوا يأكلون ما في الحشوش ، ويتبعون ما في الكناسة والطرق ، وناموا أول الليل على فرشهم مع نسائهم في ديارهم بأحسن صورة ، وأوسع رزق ، فأصبح الناس يفرون إلى عيسى عليه السلام ، فزعا وفرقا من عقوبة الله عز وجل ، وعيسى يبكي عليهم ، ويبكون معه عليهم ، وجاءت الخنازير تسعى حين أبصرته ينظرون إليه ، ويمشون إليه ، ويشمون ريحه ، ويسجدون له ، وأعينهم تسيل دموعا ، لا يستطيعون الكلام ، ثم قام عيسى يناديهم بأسمائهم ، يا فلان ، فيقول برأسه : نعم ، يا فلان ابن فلان قد كنت أخوفكم عذاب الله عز وجل وعقوبته ، فكأني قد أنظر إليكم ممثلا بكم في غير صورتكم . . قال الله عز وجل لقوم محمد صلى الله عليه وسلم : ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ، وقد خلت من قبلهم المثلات ، وقال : لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون قال : فسأل عيسى ربه أن يميتهم ، فأماتهم الله بعد ثلاثة أيام ، فما رأى أحد منهم من الناس جيفة في الأرض ، والله أعلم كيف كان " *
Bogga 177